مقالة فلسفية خاصة بطبيعة النسيان واثره في التذكر
الذاكرة والخيال/ علاقة النسيان بالذاكرة
نص السؤال: هل النسيان ظاهرة سلبية تؤثر على التذكر ؟.
طرح المشكلة : يُقال إن الإنسان لم يسمى باسمه إلا لكثرت النسيان ، ولما كان لزاما علينا أن نراعي في الذات الإنسانية بعدين أساسيين أولهما ذاتي فردي والثاني اجتماعي . كون الإنسان ميال إلى المجتمع ، فهو بذلك يتأثر ويؤثر يستخدم الماضي ويستفيد منه ، كما انه يعيش الحاضر ويدركه .إلا أن النسيان قد يحصل له وهو كما نعلم عجز عن التذكر، و فقدان للآثار المادية من خلال الدماغ ، أما الذاكرة فهي استرجاع واقعة أو مجموعة وقائع بانتقاء الحوادث. وعليه يمكننا أن نتساءل.هل النسيان يؤثرعلى الذاكرة؟.وما طبيعة هذا التأثر؟.وهل دائما نعتبر النسيان مناقض للذاكرة كونه يحمل أثارا سلبية ؟. بعبارة أدق هل النسيان ظاهرة سلبية تؤثر على التذكر؟.
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الأولى: يرى أنصار الأطروحة أن النسيان ظاهرة مرضية تحمل جانبا سلبيا ذلك لان النسيان يعمد إلى تشتيت الذكريات ، ويؤدي إلى زوال بعضها ، مما يعمل على انفصال مجموعة من الذكريات ولقد أشار جميل صليبا في كتابه "علم النفس" أن النسيان يُولد في غالب الأحيان خللا في توازن الشخصية . فتتكون لدى الشخص شخصية ثانية وهوما يؤدي إلى استحالت التوافق مع المواقف الراهنة ومن الأمثلة التوضيحية على ذلك نجد أن خطورة النسيان تتمثل في الإخفاق والفشل والاضطراب في وأثناء الامتحان ، حيث يؤدي بالمتر شح إلى الوقوف موقفا سلبيا أمام الموضوع أو السؤال الذي يريد الإجابة عليه ، كما قد تنشا عن النسيان إشكالات تتعلق بطبيعة العلاقات الاجتماعية مثل : نسيان اسم الشخص الذي نتعامل معه ، وهناك من ارجع ظاهرة النسيان إلى ارتباطها بالعامل الزمني يقول الفيلسوف بيرون في هذا الصدد :" كلما تقدمت الذكريات في الزمن كان ذلك ادعى إلى نسيانها "، كما قد يكون السبب نفسي أو عضوي يتعلق بمرض من الأمراض التي تصيب الذاكرة مثل :الامنيزيا ومن أثارها المساس بوحدة الأنا حيث تلحق أضرارا جسيمة بشخصية الإنسان ، بالإضافة إلى مرض الأفازيا حيث يفقد الإنسان القدرة على حفظ المعلومات ، وفيه تزول الروابط العصبية وهذا كله مناقض لمفهوم الذكريات وبالتالي يعد ظاهرة سلبية .
النقد" المناقشة :" لكن يمكننا أن نلاحظ أن النسيان وان بدا من الناحية الواقعية نعمة خاصة إذا تعلق الأمر بالحالات المؤلمة والمحزنة .إلا انه نقمة خاصة إذا تعلق الامر بفقدان الذكريات كما قال "ريبو" حينما ارجع فقدان الذكريات إلى الإصابات الدماغية إذ في الكثير من الحالات يكون النسيان يحمل دلالة العجز ولا يمكن تجاهله خاصة إذا كان مستديما ومتكررا ، فهو يصبح تعبيرا عن اضطرابات على عدة مستويات ، منها الجسمي ، والذهني والاجتماعي .
القضية الثانية " نقيض الأطروحة" يرى أنصار هذه الأطروحة بان النسيان ما هو إلا ظاهرة عادية ، فالذاكرة لا تستطيع أن تعيد إلينا الماضي برمته ،لان الإنسان يستطيع فقط أن ينتقي ما هو ضروري من الواقع ،حيث يوافق متطلبات هذا الواقع وهو ما عبر عنه براغسون في قوله :"إن النسيان حالة طبيعية يعيشها الفرد لان الإنسان لا يلتفت إلى الماضي إلا لحاجته في إحداث التوافق مع بيئته". كما ارجع عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد النسيان إلى الظاهرة التالية حيث فسره بما يلي : أن النسيان حالة عادية فهو يرتبط باللاشعور وما يجسد هذا المقولة التالية :"أننا لا ننسى إلا ما نرغب في نسيانه لا شعوريا "، وبهذا الشكل يرتبط النسيان بالصراع الدائم والمستمر بين متطلبات " ألهو وأوامر " الأنا الأعلى" ولعل هذا ما يجعله وسيلة للتخلص من الصراع النفسي وما يحمله من آلام فالنسيان له وظيفة ايجابية ، واصدق تعبيرا عن ذلك ما تحدث عنه علماء النفس . حيث تظهر بعض الحالات التي تُحدث هذه العوامل مثل :عامل الترك والضمور . فاختفاء الذكريات يكون نتيجة عدم استعمالها نظرا لعدم احتياجنا إليها ، وهنا تحدث بعض علماء التربية عن أهمية تلك العملية حيث النسيان يفتح المجال واسعا للإنسان ليتعلم أفكار جديدة ولولا ذلك لما وجد الإنسان مكانا في الذاكرة لتخزين ما تعلمه من خبرات ، وما نخُلص إليه أن النسيان قد يعدو فعلا ايجابيا ونعمة تظهر قيمتها في بعض مواقف الحزوالآلام
النقد "المناقشة ": لكن نلاحظ أن هذه الأطروحة حتى وان بدت صادقة نسبيا إلا أن النسيان قد يتحول إلى ظاهرة سلبية عندما يتعلق الأمر بنسيان الإنسان للحوادث التي هو في أمس الحاجة إليها لذا قيل: " نحن ننسى أكثر مما نتعلم" ثم أن النسيان آفة العلم . كما أن من نتائجه أيضا الفشل والإخفاق والتشتت والانفصام
بالإضافة إلى أن النسيان يعمل على تفكيك الروابط . ذلك لأنه يُعطل التواصل مع الغير وهو ما يكون سببا في ضياع المصالح .
التركيب : على العموم يجب أن ننظر إلى النسيان من زاوية الشخصية كلل، فالنسيان ما هو إلا وسيلة نفسية يستخدمها الشخص للتوافق مع المواقف الراهنة التي قد تمس علاقته بالغير لذا قال ريبو: "خير للذاكرة أن تكون ملكة نساءه" أو كما قيل: "الذاكرة والنسيان لهما وظيفة واحدة فقط تتمثل في توازن الفرد مع المحيط الخارجي الذي يعيش فيه " أما في نظر الفيلسوف "دوغاس "أن النسيان ليس في كل الحالات نقيضا للذاكرة ، فقد يكون شرطا لها في ضوء دلالته النفسية لأنه يحمل عدة معاني نفسية ينم وتخبر عن ميولات الشخص وبعض اهتماماته ومن هذا لا يجب أن ننظر إلى النسيان نظرة سلبية ، فقد يكون له دلائل ايجابية
الخاتمة : وختاما يمكننا أن ننهي مقالنا بالاستنتاج التالي :النسيان له وظيفة ايجابية إذا كان عاملا للتكيف والانسجام أي انسجام الذات مع المحيط الخارجي . كما قد يصبح حالة ميؤوس منها إذا كان نسيان مفرط ناتج عن حالات مرضية ، وصفوت القول وختامه:" إن النسيان نعمة من الله في حالاته العادية ، ومدعاة للقلق إذا صاحب بعض الحالات المرضية مثل الامنيزيا وغيرها ."
انتهى.