تحليل نص جون جاك روسو الشغل
مجزوءة الفاعلية والإبداع
مفهوم الشغل
المحور الأول : طبيعة الشغل
الإشكال : ما طبيعة الشغل؟
موقف التحليل:
من المؤكد أن الحيوان ينتج الكثير من الأشياء، فهو يبني عشه أو مسكنه كما يفعل النحل والعناكب والنمل وغيرهم كثير؛ لكن هذه الحيوانات على اختلاف أنواعها لا تنتج إلا ما تحتاج إليه مباشرة هي ونسلها. كما أنها لا تنتج إلا بفعل ضغط الحاجة الجسميّة المباشرة، في حين أن الإنسان ينتج حتى وإن كان متحررا من الحاجة الجسميّة بل إننا لا نعتبره منتجا حقا إلا حين يكون قد تحرر منها. فإنتاج الحيوان يشكل جزءً من سلوكه الطبيعي،الذي يتم وفقا لما تقتضيه حاجات نوعه ؛ في حين أن الإنسان يجيد الإنتاج والإبداع وفقا لقوانين الجمال، لينتصب حرا أمام إنتاجه. لهذا لن نتوقف عند الحالة الأولية للانتاج التي لم ينسلخ فيها بعد عن طابعه الغريزي البحت . إن نقطة انطلاقنا هي الشغل في صورة خاصة بالإنسان لا غير. فعندما يُنتج الإنسان فعليا عالما من الأشياء، فإنه يؤكد ذاته بما هو كائن واع.
لا يمكننا أن نتصور إلى أي حد يعتبر الإنسان كسولا بالطبع . فهو لا يعيش إلا لكي ينام، ويبقى خاملا، وبالكاد يمكنه أن يقنع نفسه ببذل الجهد الضروري لكي لا يموت جوعا. فلا شيء يجعل المتوحشين أكثر تعلقا بحالهم غير هذا التكاسل اللذيذ. ذلك أن الأهواء التي تجعل الإنسان قلقا ومحتاطا ونشيطا لا تولد إلا داخل المجتمع في الحالة المدنية. أما عدم فعل أي شيء فيعتبر هو الهوى الأقوى بعد هوس الحفاظ على الذات. لهذا فإننا إذا رأينا عن قرب سنرى وحتى بيننا، أن الإنسان لا يشتغل إلا لكي يرتاح، فالكسل هو الذي يدفعنا لنشتغل ونشقى.
جون جاك روسو،خطاب حول أصل اللغات.1968.ص 109
مجزوءة الفاعلية والإبداع
مفهوم الشغل
المحور الثاني: تقسيم الشغل
الإشكال : ما تأثير تقسيم الشغل؟
موقف التحليل:
إن تقسيم الشغل،تبعا لجدليته الداخلية، يخلق وظائف أكثر فأكثر تخصصا، ومن ثمة أصبح الشغل أكثر تجزيئا، وأضحت كل عملية محدودة من اختصاص الآلة التي عوضت الأداة، التي كانت تستخدمها يد العامل . وهكذا تقلصت مساهمة الإنسان في عملية الإنتاج . فلم يعد العامل يختار ويقرر ويهيئ بل أصبحت هذه العمليات تتم خارج ورشة العمل . ويبدو أن ذكاءه بدأ تدريجيا ينسحب من عملية الإنتاج ليركز في الرسم والتصور وفي ما تنجزه الآلات وفي مكاتب الدراسات. إن سلسلة النظام سجلت محطة تاريخية لهذا التطور الصناعي. غير أن المكننة لم تصبح بعد كاملة،ذلك أن يد الإنسان تتدخل في بعض العمليات كوضع قطعة تحت آلة الضغط وإخراجها، ثم تعويضها بقطعة أخرى... ولم يعد الإنسان حاضرا في كل العمليات؛ والآن فهو مخترع التقنيات ومراقب لعمل الآلات،وهو مكره على المشاركة في عمليات فارغة من كل قيمة فكرية والتي تفرض عليه بالمقابل ضغطا عصبيا في كل لحظة،وتجعله في كثير من الأحيان منشطرا بين العمل والتفكير... ففي الوقت الذي تكون فيه آخر حركات العامل الإنتاجية مسندة للقطع المتحركة وإلى شبكات معدنية،يبدأ نظام الآلية الشامل في الاشتغال . وفي اتجاه هذا الهدف تبرز لنا قساوة تقسيم الشغل .
جورج فريدمان ، المشاكل الانساية لنظام الآلية فى الصناعة ، غاليمار 956ص: 168.
كل مجتمع هو مجتمع أخلاقي. وتكون هذه الخاصية أكثر بروزا في المجتمعات المنظمة . وبما أن الفرد لا يكتفي بذاته فهو يتلقى من المجتمع كل ما هو ضروري بالنسبة إليه ، كما أنه يشتغل من أجل المجتمع . هكذا يتولد لديه شعور قوي بحالة التبعية للمجتمع ويتعود تقدير نفسه حق التقدير، إذ لا ينظر إلى ذاته إلا على أساس أنه جزء من كل، وعضو داخل بنية عضوية . هذه التضحيات اليومية هي التي تضمن النمو المنتظم للحياة الاجتماعية كما تولد أيضا أفعالا تعبر عن التضحية الكاملة للفرد ونكرانه التام لذاته. لا يتطور تقسيم الشغل عموما إلا بنمو النشاط الوظيفي. . . وإن الأسباب التي تدفعنا إلى المزيد من التخصص هي نفس الأسباب التي تفرض علينا أن نعمل أكثر. وحينما يزداد عدد المتنافسين في المجتمع بأكمله، سينعكس ذلك على كل مهنة خاصة، فيصبح الصراع فيها أكثر حدة . لابد من جهد كبير للتمكن من تحمل هذا الصراع . بالإضافة إلى ذلك فإن تقسيم الشغل ينزع بحكم طبيعته إلى جعل الوظائف أكثرحيوية واستمرارا. إميل دوركايم ، فى تقسيم العمل الاجتماعي، المنشورات الجامعية الفرنسية 1960-ص : 205~587
المحور3: الشغل بين التحرر والاستلاب
.يمثل الشغل، في الواقع، العنصر المحرر للعامل المقهور. بهذا المعنى يكون الشغل ثوريا بالضرورة . من المؤكد أن الشغل ، في بدايته ، كموضوع طلب، يأخذ شكل استعباد للعامل إذ ليس من المحتمل أن يختار العامل، لو تُرٍِك له أمر الاختيار للقيام بهذا العمل، في هذه الشروط ، وفي هذا الزمن المحدد،ومن أجل الحصول على تلك الأجرة . إن رب العمل، على خلاف السيد القديم، يذهب إلى حل التعيين المسبق لحركات وملوكات العامل . فهو يجزئ نشاط العامل إلى عناصره الأولية التي يسند بعضا منها إلى عمال آخرين . إن رب العمل يختزل نشاط العامل الواعي ويركز فقط على مجموعة من الحركات المتكررة إلى ما لا نهاية . وهكذا يميل رب العمل إلى إرجاع العامل إلى حالة الشيء الخالص والبسيط، وتحويل تصرفاته إلى مجرد خصائص محددة له. فالعامل بهذا التنظيم للشغل ، يختص في إنجاز عملية وحيدة يكررها مئات المرات يوميا. إنه لم يعد سوى شيء.
لكن الشغل مع ذلك، يمنح العامل، في نفس الآن، إمكانية الشروع في التحرر الملموس، حتى في الحالات القصوى التي يظهر فيها الشغل كاستعباد، إنه نفي لنظام رب العمل الخاضع لنزوات التملك . . . إن العمل الذي فرض عليه في البداية ، وسرقت منه ثماره ، هو نفس العمل الذي سيمنحه إمكانية التحكم في الأشياء.
جون بول سارتر، المادية والثورة.ص 197 – 199.
في تمجيد "الشغل" وفي الخطابات المسهبة عن ´´نعمة الشغل ´´، أجد نفس الخلفية الفكرية التي نصادفها ي المديح الموجه إلى الأفعال المجردة التي تصلح للجميع، وأقصد بذلك الخوف من كل ما هو فردى. فعندما نشاهد اليوم العمل ونعني دائما بهذا اللفظ الشغل الشاق من الصباح إلى المساء - نحس في العمق أن هذا العمل هو الشرطي الأمثل ، الذي يلجم كل واحد، ويسعى بكل قوة إلى عرقلة تطور العقل والرغبات والميل إلى الاستقلال . ذلك أن الشغل يستهلك قدرا هائلا من القوة العصبية التي يعزلها عن التفكير والتأمل،عن حلم اليقظة والاهتمام عن الحب والكراهية ... ويقدم باستمرار هدفا وضيعا يؤمن إشباعات سهلة ومنتظمة . وبذلك سيكون المجتمع ، الذي يشتغل فيه الناس ويكدون دون توقف،أكثر أمنا واستقرارا.
فريدريك نيتشه، فجر (8801). ص: ا18~182