المفاوضات الجزائرية الفرنسية واستقلال الجزائر ويكيبيديا. تاريخ مراحل استقلال الجزائر من فرنسا
ملخص المفاوضات الجزائرية الفرنسية واستقلال الجزائر
كيف استقلت الجزائر من فرنسا
المفاوضات الجزائرية الفرنسية واستقلال الجزائر ويكيبيديا تاريخ
في 25 حزيران ـ يونيو ـ 1960 بدأت المفاوضات الجزائرية ـ الفرنسية في ميلان بضواحي العاصمة باريس، ولكنها فشلت منذ البداية بسبب فرض الوفد الفرنسي شرط (إيقاف القتال) للاستمرار في المفاوضات، وكان ذلك معناه الاستسلام. واستمرت الثورة في عملياتها العسكرية، وقاد ذلك إلى تغيير الموقف الفرنسي نوعاً ما، لكن فرنسا بقيت تصر على أن تبقي الجزائر إن لم تكن (فرنسية) فـ (مع فرنسا) حيث استؤنفت المفاوضات ثانية بعد أن أعلن الجنرال ديجول في 14 تشرين الثاني ـ نوفمبر ـ عن عزمه على تكوين (الجزائر الجزائرية) وقال في ذلك: (إن جزائر المستقبل سوف تكون كما يراد لها بعد تقرير المصير، فقد تكون فرنسية أو مع فرنسا، ولكن فرنسا سوف لن تكون عائقاً أمام الوصول إلى الحل مهما كان)(48). وعليه ففي بداية كانون أول ـ ديسمبر ـ 1960 سافر الجنرال ديجول إلى الجزائر مرة أخرى وقام بجولة فيها، وجرت في هذه المناسبة مظاهرات واسعة(11 ديسمبر) في جميع مدن الجزائر، وأكدت تلك المظاهرات على إجماع الشعب الجزائري على المطالبة بالاستقلال وقدم الشعب الجزائري المزيد من التضحيات في الأفراد خلال تلك المظاهرات(49). كما انتهى بالفشل (الاستفتاء) الذي فرضته الحكومة الفرنسية على الجزائريين خلال كانون الثاني ـ يناير ـ 1961، ذلك أن 43% من الناخبين الجزائريين قاطعوا الاستفتاء مستمعين إلى نداء (جبهة التحرير)، أما الباقون فقد اشتركوا في التصويت تحت ضغط قوات الاحتلال، وقد تبع ذلك استمرار مظاهرات الشعب طيلة الشهور الأولى من عام 1961، وأدى ذلك إلى (تنازل) الحكومة الفرنسية وعودتها إلى طريق المفاوضات. ففي 15 آذار ـ مارس 1961 أعلنت الحكومة الفرنسية عن بدء المفاوضات مع الحكومة الجزائرية المؤقتة وحدد يوم 7 نيسان ـ إبريل ـ لبدئها في (ايفيان). إن هذه العودة أرست التحول في الموقف الفرنسي باتجاه الاعتراف بـ (حقوق الجزائر)، وهذا نلمسه بوضوح في خطاب ألقاه ديجول في 11 نيسان ـ أبريل 1961، حيث قال: (إن فرنسا اليوم تنظر بكل هدوء إلى حل يجعل الجزائر تخرج عن نطاق الممتلكات الفرنسية، وهو حل كان يبدو كارثة لنا في أزمان سابقة، لكننا ننظر إلى هذا الحل بقلب هادئ. نعم لن يكون الأمر كذلك لو أن الجماهير الجزائرية كانت ترغب في أن تكون جزء من الشعب الفرنسي ـ (إشارة إلى مظاهرات 1960 ـ 1961) إذ في هذه الحالة يكون السعي من أجل الاحتفاظ للوطن بجزء من أبنائه جديراً بكل التضحيات، لكن من الصعب الادعاء بأن الجماهير الجزائرية في مجموعها تريد أن تكون جزء من الشعب الفرنسي) وهكذا كما يقول المؤرخ الجزائري محمد الميلي، نستطيع أن نفهم أن (فهم) ديجول لقضية الجزائر كان نتيجة فشل محاولات القضاء على جيش التحرير عسكرياً وعلى جبهة التحرير سياسياً، وهنا يبدو الفرق واضحاً بين مواقفه عام 1958 والفترة الحاضرة(50).
لقي الموقف الفرنسي الجديد معارضة ثانية من قبل بعض الجنرالات في الجزائر (شال ـ سالان ـ جوو ـ زيلير) الذين نظموا عصياناً عسكرياً في 22 نيسان ـ أبريل ـ في محاولة للإبقاء على (الجزائر فرنسية) لكن العصيان فشل ثانية، واستؤنفت المفاوضات بين الطرفين في 20 أيار ـ مايو ـ 1961، في إيفيان، لكنها قطعت بعد فترة قصيرة وذلك لطلب الوفد الفرنسي من الوفد الجزائري الموافقة على مشروع معد مسبقاً في باريس ويتعلق بـ (ربط) الجزائر مع فرنسا في الميادين الحربية، خاصة قواعدها العسكرية والاقتصادية والمالية وغيرها من المجالات الحيوية (الصحراء) وذلك قبل حصول الجزائر على الاستقلال، لكن الوفد الجزائري رد بحزم مؤكداً (إن شكل العلاقات بين الجزائر وفرنسا سوف يحدد فقط بعد أن يصبح حق تقرير المصير حقيقة واقعة) فتوقفت المفاوضات(51).
أما على الصعيد الداخلي للثورة الجزائرية، فقد حدثت تطورات هامة في الهيكل السياسي. فقد انعقد المؤتمر الرابع للمجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس من 9 ـ 27 آب ـ أغسطس ـ 1961، وتمت دراسة أوضاع الثورة وتطوراتها ومشاريع تدعيمها في المستقبل، وخلال المؤتمر أعيد تشكيل الحكومة المؤقتة وأبعد منها من كان يعتبرهم الفرنسيون (عناصر متساهلة) مثل فرحات عباس وأسندت رئاسة الحكومة إلى يوسف بن خدة ـ وزير الشؤون الاجتماعية سابقا ـ ليشعر الفرنسيون بتغير الموقف، وكان بن خدة (أشد تصلباً من سلفه)(52). كما اتخذ المؤتمر عدة قرارات تتعلق بالوضع الداخلي (سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية) والخارجي (تدعيم العلاقة مع الأقطار العربية والدول الصديقة) وأكد المؤتمر أيضاً على استمرار المفاوضات مع فرنسا في نطاق (المحافظة على وحدة الأرض والشعب)(53).
في 24 تشرين أول ـ أكتوبر ـ 1961 اقتراح (بن خدة) إجراء المفاوضات مع فرنسا على مرحلتين، الأولى الوصول من حيث المبدأ إلى اتفاق حول موعد محدد للاستقلال، والثانية، تحديد مستقبل العلاقات بين الجزائر وفرنسا والضمانات اللازم توفيرها للمستوطنين الفرنسيين. وأصر (بن خدة) على أمرين:
1ـ أن تعترف فرنسا بوحدة الجزائر.
2ـ تمثيل الجزائريين في المجلس التنفيذي الذي يتولى شؤون الجزائر خلال الفترة الانتقالية السابقة على إجراء الاستفتاء حول استقلال الجزائر(54).
كان مطلع عام 1962 مزدحماً بالأحداث والتطورات السريعة، فمن جهة كان العمل قائماً على التحضير لمفاوضات مقبلة بين الطرفين، ومن جهة أخرى، كان أوربيو الجزائر يرتكبون أفظع الجرائم الإرهابية عن طريق منظمتهم (الجيش السري) من أجل وضع العراقيل أمام المفاوضات في محاولة لإبقاء الجزائر فرنسية. وبسبب هذه الأحداث شرعت الحكومة الجزائرية المؤقتة في عقد سلسلة من الاجتماعات ابتداءً من 1 كانون ثاني/ يناير ـ 1962 في تونس، لدراسة تلك الأوضاع وسير المفاوضات واستكملت الاجتماعات في مدينة المحمدية في المغرب من 7 ـ 11 كانون الثاني/ يناير ـ وأعلنت استنكارها لجرائم (الجيش السري) وطالبت بوضع حد لذلك والقضاء على هذه المنظمة (التي أصبحت خطراً على الشعب الجزائري وعلى مستقبل المفاوضات بين الجزائر وفرنسا ومستقبل الأوربيين أنفسهم في الجزائر الجديدة). وفي الفترة من 17 ـ 19 شباط ـ فبراير ـ دارت مفاوضات سرية بين الوفدين الجزائري والفرنسي في (لي روس) على مقربة من الحدود الفرنسية السويسرية، حيث وضعت فيها الخطوط العامة للاتفاقية المقبلة والتي تضمنت بشكل خاص، اعتراف فرنسا بالاستقلال والسيادة للشعب الجزائري على أراضيه كاملة. وفي الفترة من 22 ـ 27 شباط ـ فبراير ـ 1962 عقد المؤتمر الخامس للمجلس الوطني للثورة الجزائرية في (دورة استثنائية) في طرابلس ودرس المؤتمر سير المفاوضات وكلف الحكومة المؤقتة بمواصلة تلك المفاوضات التي بدأت بصورة علنية في 7 آذار ـ مارس ـ 1962 بين الطرفين في مدينة ايفيان، وتم الاتفاق على تشكيل المجلس التنفيذي وسلطاته وتكوين القوة البوليسية التي تتولى حفظ النظام وتحديد مراحل جلاء القوات الفرنسية، والعفو عن المسجونين السياسيين وتبادل الأسرى بين الطرفين. وفي 18 آذار ـ مارس ـ تم التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار وأصبحت نافذة المفعول في اليوم التالي(55).
استقلال الجزائر:
وضع اتفاق (ايفيان) في 18 آذار ـ مارس 1962، الأسس الثابتة للاعتراف الفرنسي باستقلال الجزائر ووحدة أراضيها. وفي اليوم التالي، أصدر (بن خدة) أمراً بإيقاف جميع العمليات الحربية على الأرض الجزائرية. وأعلن في بيان للشعب الجزائري بأن شروط معاهدة ايفيان تنسجم مع مبادئ الثورة المعلنة حول (وحدة الأراضي الجزائرية في حدوده الحالية) و(أن الحكومة الجزائرية سوف تمتلك جميع ما يخصها من حقوق السيادة..) و(الاعتراف بالوحدة الكاملة للشعب الجزائري.. مع مقوماته العربية الإسلامية) و(الاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بأنها الجهة الوحيدة للقيام بالمفاوضات باسم الشعب الجزائري)(56).
إن بيان (بن خدة) بقي ضمن حدود المطالب السياسية، أما المطالب الاقتصادية والاجتماعية (وهي ما يخص سياسة الحكومة في الداخل) فقد عبر عنها قادة الثورة في المؤتمر السادس للمجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي انعقد في طرابلس في حزيران ـ يونيو 1962، حيث صدرت عدة قرارات اقتصادية واجتماعية عكست مطالب الشعب، ذلك أن العناصر الاجتماعية في القوى الثورية في اجتماع طرابلس كانت تتكون من الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً، ومن العمال الزراعيين الدائمين والفصليين ومن الفلاحين النازحين إلى المدن والذين تعرضوا لأبشع أنواع الاستغلال(57).
في 1 تموز ـ يوليو ـ 1962، جرى الاستفتاء في الجزائر حول الاستقلال الكامل أو المقرون بالتعاون مع فرنسا، أو الالتحاق بفرنسا، وجاءت نتيجة الاستفتاء بأن صوت 5.975.581 من أصل 5.992.115 لصالح الاستقلال الكامل، أي بنسبة 99.72% وفي 3 تموز ـ يوليو ـ اعترفت فرنسا رسمياً باستقلال الجزائر. وأعلنت (جبهة التحرير) يوم 5 تموز يوم الاستقلال (5 تموز 1830 احتلت فرنسا الجزائر) وأصبح هذا التاريخ الذي كان سابقاً يوم الحداد الوطني، يوم الاحتفال ببعث الدولة الجزائرية في حياتها المستقلة الجديدة(58).
وفي أيلول ـ سبتمبر ـ 1962، تمت الانتخابات للجمعية التأسيسية التي أعلنت يوم 25 أيلول ـ سبتمبر ـ عن تكوين (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية) التي أصبح رئيساً للحكومة فيها أحمد بن بيلا، وبذلك عادت الجزائر جزائرية عربية إسلامية. ومنذ تلك الفترة والحقبة اللاحقة، بدأت معركة الجزائر مع مخلفات المرحلة الاستعمارية في الداخل، وعلى الصعيد المغاربي والعربي، بدأت تخطو باتجاه التقارب والتعاون في المجلات كافة.