بحث حول مدخل إلى الأسواق المالية الدولية.نشأة ووظائف ومقومات الأسواق المالية الدولية
الأسواق المالية الدولية
المبحث الأول: مدخل إلى الأسواق المالية الدولية.
المطلب الأول: نشأة الأسواق المالية الدولية
المطلب الثاني:وظائف الأسواق المالية الدولية
المطلب الثالث: مقومات الأسواق المالية الدولية.
المبحث الأول: مدخل إلى الأسواق المالية الدولية
المطلب الأول: نشأة الأسواق المالية الدولية
إن أهم الأسواق المالية التي عرفها التاريخ الإقتصادي في أوروبا بل في العالم ـ و كان التعامل فيها يتم بالكمبيالات والسندات الأذنية، و المعادن النفيسة ـ هي أسواق البندقية و جنوة في إيطاليا و سوق فرانكفورت، وكانت تلك الأسواق من أكثر الأسواق المالية الأوروبية تعاملا مع منطقة الشرق الأوسط التي شهدت في تلك الفترة نشاطا تجاريا هائلا باعتبارها مركز اتصال بين الشرق الأقصى و أوروبا.
و مع تطور الفكر الإقتصادي الرأسمالي الذي يدعو إلى التخصص و تقسيم العمل، و مع انبثاق الثورة الصناعية، زادت أهمية الاستثمارات الفردية التي تتطلب موارد مالية كبيرة تفوق قدرات و إمكانيات الأفراد. و على إثر ذلك ظهرت الشركات المساهمة التي فتحت المجال واسعا أمام مشاركة عدد أكبر من المساهمين في ملكية الشركات و بذلك ضمان التمويل اللازم لها. و من جهة أخرى، تطور عدد البنوك و ازدادت أهميتها في مختلف الدول.
كل هذه العوامل و الظروف، فضلا عن توسع المشاريع الإستثمارية و المعاملات التجارية، ساهمت بشكل كبير في نشأة الأسواق المالية كأداة فعالة لتعبئة الموارد و المدخرات اللازمة للتمويل التجاري و الإستثماري.
و أول الأسواق المالية ظهوراً، كانت في القرن السابع عشر (ق17) في أمستردام، ثم في القرن الثامن عشر (ق18) في البندقية، و شهد القرنين التاسع عشر و العشرين (ق 19 و ق20) على التوالي، نشأة المركزين الماليين الدوليين البريطاني و الأمريكي.
و قد ظهرت البورصات في القرن التاسع عشر (ق19) من أجل تداول السلع و المنتجات و الأوراق المالية و إبرام الصفقات، و كان ظهور البورصات نتاج عوامل اقتصادية عديدة أهمها:
- زيادة النشاط المالي للمؤسسات الكبرى و التي تستعمل أموال ضخمة، كالمصارف و شركات التأمين و شركات النقل و الاتصالات؛
- زيادة المبادلات التجارية الدولية، التي شهدت انتقال السلع و المواد الأولية من البلدان المُستعمَرة إلى البلدان المُستعمرة.
- إنَّ الأسواق المالية في الدول المتقدمة تطورت بصفة مصاحبة للتغيرات و التطورات الحاصلة على المستوى التكنولوجي، و تنامي حجم الإنتاج و وحدات الأعمال الكبيرة بصورة أسرع من الوسائل المتاحة للتمويل.
وزاد نشاط الأسواق المالية زيادة هائلة، فقد بلغ عدد الأسواق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية أربع عشر بورصة في الوقت الحاضر، و أهمها و أكبرها بورصة نيويورك. في بريطانيا أيضاً، اندمجت كل الأسواق المالية منذ عام 1913م في نظام واحد و هو بورصة لندن.
و في اليابان تعمل في الوقت الحاضر ثماني بورصات على رأسها بورصة طوكيو. و هو الحال بالنسبة لألمانيا، حيث يوجد أيضاً ثماني بورصات أهمها بورصة فرانكفورت. و بالنسبة لفرنسا، هناك سبع بورصات تترأسها بورصة باريس.
المطلب الثاني:وظائف الأسواق المالية الدولية
تؤدي الأسواق المالية دورا هاما في الحياة الاقتصادية، وإذا ما حاولنا عرض أهم الوظائف التي يمكن أن تؤديها، فيمكن حصرها فيما يلي:1
1. تنمية الادخار عن طريق تشجيع الاستثمار في الأوراق المالية، وتوجيه المدخرات لخدمة الاقتصاد القومي. حيث تشجع سوق الأوراق المالية على تنمية عادة الادخار الاستثماري، خاصة بالنسبة لصغار المدخرين الذين لا يستطيعون القيام بمشاريع مستقلة بأموالهم القليلة، ومن ثم فإنهم يفضلون شراء أوراق مالية على قدر أموالهم، وهذا يساعد على خدمة أغراض التنمية والحد من التضخم، كما أنها تساعد على توجيه المدخرات نحو الاستثمارات الملائمة (سواء في الأسهم أو السندات) وذلك وفقا لاتجاهات الأسعار.
2. المساعدة في تحويل الأموال من الفئات التي لديها فائض (المقرضين) إلى الفئات التي لديها عجز (المقترضين). فالمقرضون يقومون بتخفيض نفقاتهم الاستهلاكية الحالية مقابل الحصول على دخول أعلى في المستقبل عند حلول آجال استحقاق تلك القروض، وعندما يقوم المقترضون باستخدام تلك الأموال المقترضة في شراء وتأجير عناصر الإنتاج، فإنهم سوف ينتجون دخولا أعلى، وبالتالي زيادة مستوى المعيشة ليس فقط للمقترضين بل لكل فئات المجتمع.
3. المساهمة في تمويل خطط التنمية عن طريق طرح أوراق مالية حكومية في تلك السوق. حيث رافق بروز أهمية الأوراق المالية التي تصدرها شركات المساهمة ازدياد التجاء الحكومات إلى الاقتراض العام من أفراد الشعب، لسد نفقاتها المتزايدة وتمويل مشروعات التنمية، وذلك عن طريق إصدار السندات والأذون التي تصدرها الخزانة العامة ذات الآجال المختلفة، ومن هنا صارت هذه الصكوك مجالا لتوظيف الأموال لا يقل أهمية عن أوجه التوظيف الأخرى.
4. المساهمة في دعم الائتمان الداخلي والخارجي. حيث إن عملات البيع والشراء في بورصة الأوراق المالية تعد مظهرا من مظاهر الائتمان الداخلي، فإذا ما ازدادت مظاهر هذا الائتمان ليشمل الأوراق المالية المتداولة في البورصات العالمية أصبح من الممكن قبول هذه الأوراق كغطاء لعقد القروض المالية.
5. المساهمة في تحقيق كفاءة عالية في توجيه الموارد إلى المجالات الأكثر ربحية؛ وهو ما يصاحبه نمو وازدهار اقتصادي. وهذا الأمر يتطلب توافر عدة سمات في سوق الأوراق المالية، يمكن إيجازها فيما يلي:
(أ) كفاءة التسعير: بمعنى أن تعكس الأسعار كافة المعلومات المتاحة.
(ب) كفاءة التشغيل: بمعنى أن تتضاءل تكلفة المعاملات إلى أقصى حد، مقارنة بالعائد الذي يمكن أن تسفر عنه تلك المعاملات.
(ج) عدالة السوق: بمعنى أن تتيح السوق فرصة متساوية لكل من يرغب في إبرام الصفقات.
(د) الأمان: ويقصد به ضرورة توافر وسائل للحماية ضد المخاطر التي تنجم عن العلاقات بين الأطراف المتعاملة في السوق، مثل مخاطر الغش والتدليس وغيرها من الممارسات اللاأخلاقية التي يعمد إليها بعض الأطراف.
6. تحديد أسعار الأوراق المالية بصورة واقعية على أساس من المعرفة الكافية ودرجة عالية من العدالة. حيث يتم تحديد أسعار الأوراق المالية عبر المفاوضة أو المزايدة (المزاد العلني) والتي تعكس بصورة أقرب إلى الدقة رأي المتعاملين في السعر المناسب للورقة المالية وفقا لظروف السوق السائدة، بالإضافة إلى ما تقوم به الشركات والجهات الاقتصادية من نشر كافة البيانات المتعلقة بالشركات وصكوكها وأرباحها ومراكزها المالية؛ وهو ما يحول دون خلق سعر غير واقعي للورقة المالية. ويمثل هذا السعر أفضل الأسعار بالنسبة للبائع (أعلى سعر طلبHighest Bid) وللمشتري (أدنى سعر عرض Lowest Offer).
7. إن سوق الأوراق المالية تعتبر أداة هامة لتقويم الشركات والمشروعات. حيث تساهم في زيادة وعي المستثمرين وتبصيرهم بواقع الشركات والمشروعات، ويتم الحكم عليها بالنجاح أو الفشل. فانخفاض أسعار الأسهم بالنسبة لشركة من الشركات دليل قاطع على عدم نجاحها أو على ضعف مركزها المالي؛ وهو ما قد يؤدي إلى إجراء بعض التعديلات في قيادتها أو في سياستها أملا في تحسين مركزها.
المطلب الثالث: مقومات الأسواق المالية الدولية.
يتطلب سوق المال توافر عدد من المقومات الأساسية لكي يصبح سوقا فعالا قادرا على تحقيق الأهداف التي يقام من أجلها هذه المقومات يمكن حصرها فيما يلي:
1-اعتناق فلسفة اقتصادية لبيرالية قائمة على الثقة في قدرات قوى السوق على تحريك النشاط الاقتصادي في ظل اعتبارات الكفاءة الاقتصادية والسلوك الرشيد لكل من المنتج والمستهلك، المصدر والمستورد وغيرها من الأفراد والهيئات القائمة بالنشاط الاقتصادي ،أن رأس المال الخاص يلعب دوره الريادي في تجميع المدخرات الخاصة وإعادة تخصيصها على وجوه النشاط الاقتصادي التي تحقق أعلى معدل عائد ممكن في ظل أدنى مستوى ممكن من المخاطر.
2-ضرورة وجود حجم كافي من المدخرات بشقيها الوطني والأجنبي المعروضة وفي الوقت نفسه يقابلها طلب كاف عليها حتى لايوجد فائض في الطلب دون أن يناظره العرض المتاح من المدخرات التي تتكفل بتغطيته ,أو فائضا في العرض لايوجد الطلب القادر على توظيفه في وجوه الاستثمارات المالية المختلفة.
3-وجود فرص استثمارية كافية وقادرة على اجتذاب رؤوس الأموال قصيرة وطويلة الأجل المعروضة والباحثة في الوقت نفسه عن فرص جذابة للاستثمار.
4-ايجاد الاطارات التشريعية والتنظيمية الفعالة من خلال مرونتها وقدرتها على التطور والتكيف المستمر مع المتغيرات الاقتصادية القومية والدولية، فتوافر هذه التشريعات كافية وقادرة وتساعد كثيرا في تسهيل المعاملات وتحركات رؤوس الأموال من ناحية وفي الوقت نفسه توفر الحماية والأمان لكافة أطراف التعامل في السوق المالي من ناحية أخرى.
5-توافر المؤسسات المصرفية والمالية الفعالة والمتنوعة حتى تؤدي دورها المطلوب في تجميع المدخرات الوطنية والأجنبية من ناحية واستحداث وتوليد الفرص الاستثمارية وتجهيزها في شكل مشروعات استثمارية والترويج لها من ناحية أخرى.
فهذة المؤسسات المالية أوالمصرفية تلعب دورا بارزا في عملية التوسط بين المدخرات والمنضمين لايجاد التلاقي المطلوب بين عرض المدخرات والطلب عليها وعرض فرص الاستثمار والطلب عليها.
6-وجود محفظة أوراق مالية جيدة ومتنوعة تحتوي على العديد من المزايا المتنوعة حتى تكون قادرة على جذب المتعاملين في السوق المالي وفي الوقت نفسه تتضح أمامهم فرص كبيرة للأختيار من بينها.
كما أنه من االملاحظ قد شاع مصطلح "التدويل" في الأوراق المالية الدولية بعد ح ع2، ويرجع إلى الاجراءات الضخمة التي تم اتباعها في الدول الصناعية المتقدمة الرئيسية لتحرير حركة رؤوس الأموال من القيود المفرروضة عليها والدور الكبير الذي لعبته ثورة المعلومات مما جعل الأسواق المالية الدولية أشبه بقرية مالية واحدة مترابطة الأطراف وقادرة على إيجاد الفرص الاستثمارية المتنوعة والجذابة أمام راغبي الاستثمار في أرجاء المعمورة بالاضافة إلى فتح الباب أمام البنوك التجارية والمتخصصة العالمية لتجد الغرض المناسب لتوضيف أموالها التي تراكمت لديها على وجه خاص في الفترة1947-1990نتيجة لظاهرة تراكم الفوائض البترودولارية، و التطور الكبير الذي شهدته أسواق العملات الأروبية يضاف إلى ذلك النجاح الذي حققته البنوك المركزية للدول الصناعية المتقدمة في السيطرة على الظاهرة التضخمية في حقبة الثمانينات وبتالي فتح الطريق أمام هذه الدول لانتهاج سياسات مرنة لأسعار الفائدة مكنتها من تخفيض معدلات الفائدة بها ساهم بدوره في زيادة الطلب على الأوراق المالية ذات أسعار الفائدة الثابتة (السندات الدولية) ولقد أحدث هذا التطور رواجا كبيرا في مجال الاستثمارات المالية الدولية وهيأ السبيل أمام حركات رؤوس الأموال عبر الحدود الدولية بالاضافة إلى الدور الكبيرالذي لعبته سياسة تخفيض وإزالة القيود بين الأسواق الدولية .