في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

عقوبة مانعي الزكاة والمتهاونين بها.

موضوع عن عقوبة مانعي الزكاة والمتهاونين بها.

ما هي عقوبة مانعي الزكاة والمتهاونين بها.

جعل الله عباده أغنياء وفقراء، وميسورين ومعسرين؛ وكلا الفريقين مبتلى؛ فالغني ابتلاه ربه في غناه والفقير ابتلاه في فقره؛ وفي هذه السطور سنتحدث عن حق الله -تعالى- في المال الذي تفضل الله به على الأغنياء، وما افترضه عليهم لإخوانهم الفقراء وبقية الأصناف التي حددها الله.

لا شك أن المال الذي أوجب تعالى على الأغنياء دفعه للفقراء له فوائد جليلة على المال الذي أخرج منه وكذا على صاحبه -أيضا-، بل يعم خيره المجتمع كافة؛ حيث يحدث التكافل الاجتماعي والتآلف بين الناس، ولا ينقم فقير على غني ولا يحقد عائل على ميسور الحال؛ فتقوى أواصر العلاقات وتبنى جسور المحبة بين أبناء المجتمع الواحد؛ إلا أن من المسلمين من يبخل به أو يتلاعب في إخراجه.

أيها الكرام: صور التحايل من إخراج الزكاة متنوعة والمتهاونون بها كثيرون؛ ولم يدرك هؤلاء الوعيد الشديد المترتب على ذلك، وغفلوا عن العقوبات الأليمة لمانعيها في الدنيا والآخرة.

والمتتبع للنصوص الواردة في الزكاة يجد تشديدا غليظا وتهديدا بالغا؛ فيُخشى على مانع الزكاة التعرض لهذا الوعيد الشديد وغضب الجبار المجيد والخروج من الدنيا على غير ملة الإسلام، ومما جاء من الوعيد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[آل عمران: 180]؛ فمن بخل بحق الله في المال ولم يؤدِّ زكاة ماله، جُعل هذا المال يوم القيامة أطواقًا من نار يُعَذَّب بها.

وقال -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34- 35]، أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتًا وتقريعًا وتهكمًا؛ فهذا العذاب بذاك الذي كنتم تكنزون لأنفسكم.

ومن يتأمل حال مانع الزكاة يوم لقاء ربه، حين يؤتى بالمال الذي كنزوه وبخلوا به على هيئة صفائح من نار قد أحمي عليها في نار جهم -والعياذ بالله- ليكون ألمها الواقع على أبدان المانعين لها والمضيعين لحقوقها بالغاً؛ حيث يُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم كما ذكر الباري -سبحانه- في كتابه العزيز، ولم يحصل لهم هذا العذاب، إلا لأنهم فرطوا في أوامر الله وبخلوا بما أرشدهم إليه وكلفهم به، وهكذا هو الحال لكل من أحب شيئا وقدمه على محبة الله وطاعته وشرعه.

قال بعض العلماء: لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحًا عن الفقير إذا جالسهم كُويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقةً بها واعتمادًا عليها كُويت ظهورهم.

وقيل: إنما خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه، وإذا سأله طوى كشحه، وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولَّاه ظهره، فرتَّب الله العقوبة على حال المعصية.

وهكذا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بينت بعضا من عقوبات مانع الزكاة، فعَنْ أَنِس بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَانِعُ الزَّكَاة يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّار" (رواه الطبراني )، وهذا حكم شديد في حق من منع زكاة ماله.

وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الَّذِي لاَ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ؛ يُخَيَّلُ إِلَيهِ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَع لَهُ زَبِيْبَتَانِ- قال: فَيَلْتَزِمُهُ أَوْ يُطَوِّقُهُ قَالَ: يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، أَنَا كَنْزُكَ" (صحيح البخاري).

إن المال يُمَثَّل له في صورة شجاع أقرع، والشجاع الحية الذكر، والأقرع الذي طال عمره وسقط شعره، والزبيبتان نقطتان سوداوان فوق العينين، وهو أخبث الحيات، يطوقه ثم يأخذ بشفتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك؛ فما أشده من عذاب ينتظر من بخل بماله عن الفقراء والمحرومين والمنكوبين!

وفي صورة أخرى من صور عذاب مانع الزكاة حدَّث ثَوبَان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ كَنْزاً، مُثِّلَ لَهُ شُجَاعاً أَقْرَع يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ زَبِيْبَتَانِ يَتْبَعُهُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي خَلَّفْتَ بَعْدَكَ فَلاَ يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَه فَيَقْضَمُها، ثُمَّ يُتْبِعُهُ سَائِر جَسَدِه" (صحيح ابن حبان ).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَكُونُ كَنزُ أَحدكُم يَومَ الْقِيَامَة شُجَاعا أَقْرَع، قَالَ: وَيَفِرُّ مِنهُ صَاحِبُه وَيَطلُبُه وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، قَالَ: وَاللهِ لاَ يَزَالُ يَطْلُبُه حَتَّى يَبسُط يَدَهُ فَيُلْقِمُهَا فَاهُ" (رواه أحمد ).

ولم يقف الشرع -عباد الله- عن حد الوعيد بالعقاب الأخروي، بل هدد بالعقوبة الدنيوية كل من يبخل بحق الله -عز وجل-، وهذا ما قصه الله علينا في قصة أصحاب الجنة وبخلهم بحق الله في أموالهم، وأن عاقبتهم كانت إلى خسران، فقال الله -تعالى-: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[القلم :17-33].

فمانع الزكاة مهدد في الدنيا بزوال ماله، وإصابة البلاد بالقحط والجفاف بسببه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين" .

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا.

فينبغي لكل من آتاه الله مالاً أن يعرف لله حقه فيه، ويصل رحمه ويخرج الزكاة المفروضة في مصارفها الشرعية، ويتلمس حاجات المنكوبين والمشردين والمهجرين من المسلمين، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، وصدق الله: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38].

ولتبيين خطورة التساهل في الزكاة والتحايل فيها وضعنا بين يديك خطيبنا الكريم هذه المقدمة اليسيرة مع مجموعة من الخطب المنتقاة، راجين الله أن يجعلنا وإياكم من المقيمين لأوامر الله المؤدين لحقوقه وحقوق عباده.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
موضوع عن عقوبة مانعي الزكاة والمتهاونين بها
...