في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

وقفات بين عام مضى وعام أتى 1444 

وقفات بين عام مضى وعام أتى

العناصر : الوقفة الأولى: العبرة من تقلب الليل والنهار

الوقفة الثانية: كل يوم هو في شأن

الوقفة الثالثة: من علامات الساعة سرعة انقضاء الزمان:

الوقفة الرابعة: الاستعداد لوداع عام واستقبال عام جديد

الموضوع

وقفات بين عام مضى وعام أتى

الحمد لله على نعمة الإسلام والصلاة والسلام على سيد الأنام.

أما بعد:نقف اليوم على بوابة عام قد أدبر لندخل بوابة عام قد أقبل، مضى عام من عمرك بما فيه من آيات وبما فيه من حكم وعظات..مضى عام بما فيه من أفراح و أتراح و بما فيه من مآسي و ويلات كم من إنسان استقبل ذلك عام وما استتمه و كم من قوي ضعفة قوته و كم من غني افتقر و كم من صحيح قد سقم؟

فهيا بنا نحاول أن نقف مع أنفسنا وقفات لعلنا نفيق ونرجع إلى علام الغيوب ونتعظ مما فات من هذه الوقفات مثلاً:

الوقفة الأولى: العبرة من تقلب الليل والنهار

-إخوة الإسلام إن في تقلب الليالي والأيام عبرة وعظة لأولي الألباب فكم فيها من عظات وكم اشتملت على براهين ساطعات ولكن لا يدركها إلا من أسلم وجهه لرب الأرض والسماوات لذا بين الله تعالى انه لا يدرك كنه الأحداث والآيات إلا من بصره الله تعالى :يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) النور

-(يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، من ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ويديل الأيام بين عباده، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ } أي: لذوي البصائر، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية. فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم.تفسير السعدى (1/571)

و قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) الفرقان " لمن أراد أن يذكر " أى : يتعظ ويعتبر ويتذكر أن الله تعالى لم يجعلهما على هذه الهيئة عبثا فيتدارك ما فاته من تقصير وتفريط فى حقوق الله عز وجل "أو أراد شكورا " .أى : وجعلهما كذلك لمن أراد أن يزداد من شكر الله على نعمه التى لا تحصى ، والتى من أعظمها وجود الليل ولانهار على هذه الهيئة الحكيمة ، التى تدل على وحدانية الله - تعالى وعظيم قدرته ، وسعة رحمته.التفسير الوسيط لطنطاوى (1/3142).

الوقفة الثانية: كل يوم هو في شأن :

قال تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)الرحمن يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، ويعطي قوما، ويمنع آخرين، ويميت ويحيي، ويرفع ويخفض، لا يشغله شأن عن شأن.تفسير السعدى (1/830).-

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، قَالَ: «مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجَ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ».صحيح ابن حبان (689) وسنن ابن ماجه (202)وصححه الألبانى .

الوقفة الثالثة: من علامات الساعة سرعة انقضاء الزمان:

عباد الله إن من الملاحظ في الحقبة الأخيرة سرعة انقضاء الأعمار ومرور الليالي والأيام.فكم نرى ونسمع من يشتكي قلة البركة في الأعمار وكم من تمر عليه الأعوام كأنها أيام وهذا ما أخبرنا به سيد الأنام ﷺ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ» سنن الترمذى (2332) وصححه شعيب الأرنؤوط . فَالَّذِي تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَإِنَّا نَجِدُ مِنْ سُرْعَةِ مَرِّ الْأَيَّامِ مَا لَمْ نَكُنْ نَجِدُهُ فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَ عَصْرِنَا هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْشٌ مُسْتَلَذٌّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ نَزْعُ الْبَرَكَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى مِنَ الزَّمَانِ وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ السَّاعَةِ. فتح البارى (13/16).

الوقفة الرابعة: الاستعداد لوداع عام واستقبال عام جديد :

إن حكمة الإنسان في هذه الحياة أن يؤدي كل ما فرض الله عليه من واجبات ونواهي، ومع مرور الأيام وانقضاء السنين قد يتسلل إلى قلبه الملل، ويدخل في نفسه الضجر، وخاصة في النهايات من كل عمل، ونحن في نهاية العام يحسن بنا أن نذكر بالأتي:

أولا: محاسبة ومعاتبة:أول هذه النصائح أن تحاسب نفسك على ما بدر منك في ذلك العام المنصرم: ولكن لماذا تحاسب نفسك؟أخي المسلم، حاسِب نفسَك في نهاية العام لتعرفَ رصيدَك من الخير والشرّ ومدّخراتِك من الأعمال الصالحة،- قال تعالى :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)الحشر. عَنْ مَعْن أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلِيَّ. فَقَالَ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَأَرْعِهَا سَمْعك، فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ. تفسير ابن كثير (1/374)

وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ : 1- هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها:

أ- فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه

ب- وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه

ج - ويُقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يُوجب له الحياء بلا محالة.تفسير السعدى1/853)

2- قَوْلُهُ: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أَيْ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَانْظُرُوا مَاذَا ادَّخَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَوْمِ مَعَادِكُمْ وَعَرْضِكُمْ عَلَى رَبِّكُمْ. تفسير ابن كثير (8/77) وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: «لَا يَكُونُ العَبْدُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ»سنن الترمذى (2459)

ثانيا: الإكثار من العمل الصالح والتقرب:

-مطلوب من الإنسان في نهاية العام الإكثار من الحمد والشكر على ما أنعم به من مهلة العمر والاستزادة من العمل الصالح قال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]، وقال تعالى: ﴿ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43]، فإن خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشرهم من طال عمره وساء عمله، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ.سنن الترمذى (2330) ،صحيح الجامع (3297)

-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ:فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا، أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:"أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ،أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ؟ "مسند أحمد (8399) والسلسلة الصحيحة (2591)

خذ العبرة:فلنا في الراحلين آية وأي آية، كانوا بالأمس معنا، نؤاكلهم، نشاربهم، نضاحكهم، نمازحهم، وسبحان الله ها نحن اليوم نودعهم، وفي باطن الأرض نواريهم، فارقوا الأهل والأحباب، واستبدلوا بالقصر المنيف، والمسكن الهانئ؛ بيت الدود والتراب، وأنت يا عبد الله اليوم على ظهر هذه الدنيا، وغداً أنت في جوفها، فماذا أعددت للرحيل.

ثالثاً:ﺗﻮﺑﺔ ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺎﺭ:ونحن نودع عام قد مضى ونستقبل عاما ًقد أتى

هيا نستقبل العام الجديد بتوبة واستغفار ﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻷ‌ﺣﺒﺔ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺑﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﺍﻷ‌ﻋﻤﺎﻝ ﺑﺎﻟﺨﻮﺍﺗﻴﻢ " . عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ " فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا "صحيح البخارى (3332) وصحيح مسلم (2643)

ﻭﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﺳﺘﺤﺒﺎﺏ التوبة وﺍﻻ‌ﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﻐﻔﺎﺭ ﻓﻲ ﺃﻋﻘﺎﺏ ﺍﻟﻄﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘﺮﺑﺎﺕ..

1-الاستغفار بعد كل صلاة:عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ،إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ،تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» قَالَ الْوَلِيدُ:فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ" كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ:تَقُولُ:أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ " صحيح مسلم (135)

-الحكمةُ من الإتيان بالاستغفار بعد الصلاةِ هي إظهارُ هَضْم النَّفس، وأنَّ العبدَ لَم يَقُم بحقِّ الصلاة، ولَم يأت بما ينبغي لها على التَّمام والكمال، بل لا بدَّ أن يكونَ قد وَقَعَ في شيء من النَّقص والتقصير،والمقصِّرُ يستغفرُ لعلَّه أن يُتجاوَزَ عن تقصيره، ويكونَ في استغفاره جَبْرٌ لِمَا فيه من نقص أو تقصير.(فقه الأدعية والأذكار (3/166)

2-بعد الإنتهاء من أعمال الحج :-قال تعالى :ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)البقرة.لما كانت الإفاضةآخر المناسك، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد، في أداء عبادته وتقصيره فيها،وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة. (تفسير السعدى (1/92)

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
خطبة الجمعة: مَا بَيْنَ عَامٍ مَضى وَعَامٍ آتٍ

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، خَالِقِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، مُقَدِّرُ الأَعْمَارِ وَالآجَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، عَمَرَ حَيَاتَهُ بِالطَّاعَةِ وَالإِحْسَانِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعَلَى أَتْبَاعِهِ وَحِزْبِهِ إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُ اللهُ فِيهِ الإِنْسَ وَالْجَانَّ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى الْعَزِيزَ الْغَفَّارَ، الَّذِي يُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ، وَيُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ، لأَجْلِ أَنْ تَسْتَمِرَّ حَيَاةُ الإِنْسَانِ، يَقـُولُ سُبْحَانَـه : ” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) الاسراء ” فَالزَّمَانُ – يا عِبَادَ اللهِ – ظَرْفٌ لأَعْمَالِ الْعِبَادِ، يُقَدِّمُونَهَا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلا رَاجِينَ بِهَا الزُّلْفَى لَدَيْهِ، فَالنَّهَارُ لَهُ مَا يُلائِمُهُ مِنْ نَشَاطٍ وَعَمَلٍ، واللَّيْلُ لَهُ مَا يُلائِمُهُ مِنْ رَاحَةٍ وَسَكَنٍ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ: ))وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلا بِالنَّهَارِ لا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلا بِاللَّيْلِ لا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ))، وَمَنْ أَدْرَكَ الزَّمَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى حَرَصَ عَلَى أَنْ يَمْلأَهُ بِصَالِحَاتِ الأَعْمَالِ، وَزاكِيَاتِ الْخِصَالِ، وَبِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ فِي الْعَاجِلِ وَالْمَآلِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَا نَحْنُ نُوَدِّعُ عَامًا هِجْرِيًّا يَمْضِي بِمَا فِيهِ مِنْ حُلْوٍ وَمُرٍّ، وَمِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَسَقَمٍ وَعَافِيَةٍ، وَهَذَا مَوْلُودٌ يَفِدُ وَذاكَ مُوَدِّعٌ يَرْحَلُ، فَهَلا اعْتَبَرنَا بِمُضِيِّ الأَعْمَارِ، وَتَصَرُّمِ الأَوْقَاتِ، وَذَهَابِ الأَزْمِنَةِ وَالأَعْوَامِ، لِمَ لا يَبْكِي الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى عُمُرٍ فَاتَ لَمْ يَسْتَغِلَّهُ فِي طَاعَةِ اللهِ؟ وَلِمَ لا يَتَحَسَّرُ عَلَى فَوَاتِ زَمَنٍ مَضَى فِي غَيْرِ مَا يُرْضِي اللهَ؟ إِنَّ الزَّمانَ – يا عِبَادَ اللهِ – أَنْفَسُ مَا يَمْتَلِكُهُ الإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ السَّفِينَةُ الَّتِي تَحْمِلُهُ إِمَّا إِلَى شَطِّ الْجِنَانِ، وَإِمَّا إِلَى فُوَّهَةِ الْبُرْكانِ، عِيَاذًا بِاللهِ. وَحَسْبُنَا فِي بَيَانِ مَكَانَةِ الزَّمَانِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ وَبِأَجْزَاءٍ مِنْه، وَلا يُقْسِمُ جَلَّ وَعَلا إِلا بِشَيْءٍ مُعَظَّمٍ لَدَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ” وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

سورة العصر ، وَقَالَ: وَالضُّحَى (1) سورة الضحى ، وَقَالَ:” وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) سورة الليل ” وَقَالَ: ” وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) ” سورة الفجر ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى هَذَا شَأْنُهُ حَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُقَدِّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَأَنْ يَسْتَغِلَّهُ الاِسْتِغْلالَ الأَمْثَلَ الْمَحْمُودَ، وَأَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّحْظَةِ وَالْخَطْرَةِ وَالنَّفَسِ يَتَنَفَّسُهُ فِيهِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ إفْناءَ الأَوْقَاتِ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيمَةُ الْكُبْرَى، وَإِنَّ تَضْيِيعَهَا فِي اللَّهْوِ وَفِيمَا لا يَعُودُ بِطَائِلٍ هُوَ الْخَسَارَةُ الْعُظْمَى، وَابْتُلِينَا – يَا عِبَادَ اللهِ – بِمَنْ لا يُقَدِّرُ لِلْعُمْرِ قَدْرَهُ، وَلا يَعْرِفُ لِلزَّمَانِ مَنْزِلَتَهُ، فَمَا بَيْنَ جَوَّالٍ وَجَوَّالٍ، وَأَجْهِزَةٍ ذَكِيَّةٍ سَلَبَتْ مِنْ عُقُولِ بَعْضِ النَّاسِ الذَّكاءَ، وَجَعَلَتْهُمْ يَعِيشُونَ في غَيْرِ عَالَمِهِمْ، وَتَتَسَاقَطُ السَّاعَاتُ مِنْ أَعْمَارِهِمْ تَسَاقُطَ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، فَلا هُمْ بِكِتَابِ اللهِ مُشْتَغِلونَ، وَلا عَلَى كُتُبِ الْعِلْمِ عَاكِفونَ، وَتُقَامُ الصَّلاةُ وَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِهَوَاتِفِهِمْ مُلْتَهونَ، هَكَذَا تَنْقَضِي أَعْمَارُهُمْ، فَهَلْ سَيُوقِظُهُمْ مُرُورُ عَامٍ وَاسْتِقْبالُ عَامٍ؟ إِنَّ الْعَادَةَ مَتَى رَسَخَتْ فِي النَّفْسِ فَهِيَ كَالشَّجَرَةِ لا تَزَالُ تَنْمُو حَتَّى يَشُقَّ اقْتِلاعُهَا، وَمَنِ اعْتَادَ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ عَلَى لَهْوِهِ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ كَانَ الْتِفَاتُهُ إِلَى مَرَاشِدِ الْقُرْآنِ وَمَا تُطَالِبُهُ بِهِ أُمَّتُهُ الْتِفَاتَ مَنْ يُنَادَى بِوَادٍ سَحِيقٍ، فَالْعَيْنُ عَلَى الشَّاشَاتِ لا عَلَى الآيَاتِ، وَالأُذُنُ فِي سَمَاعِ النَّغَمَاتِ لا سَمَاعِ التِّلاوَاتِ.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ نَدَبَكَ الْقُرْآنُ لِرِسَالَةٍ سَامِيَةٍ، وَأَنْتَ غَالٍ عِنْدَ الهَِ، فَلا تُلْقِ نَفْسَكَ فِي مَرَاعِي الإِهْمَالِ، وَلا يَكُنْ حَظُّكَ الْقِيلَ وَالْقَالَ، أَيْنَ جُهْدُكَ وَمُثابَرَتُكَ؟ وَأَيْنَ اسْتِبَاقُكَ لِلأَوْقَاتِ وَالأَزْمانِ؟ كَمْ مِنْ عَامٍ يَمْضِي وَيَتْلُوهُ عَامٌ وَلا تَزَالُ صِفْرًا عَلَى الشِّمَالِ، أَتَرْضَى لِنَفْسِكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ وَلا أَثَرَ خَيْرٍ لَكَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّمَا أَنْتَ فِيهَا مُجَرَّدُ رَقْمٍ مِنَ الأَرْقَامِ؟ أَلا تَجِدُّ فِيمَا جَدَّ فِيهِ الْفُطَناءُ وَالْعُقَلاءُ فَاكْتَسَبُوا فِي دُنْيَاهُمُ الْمَحَامِدَ وَالمَآثِرَ، وَكَانَ لَهُمْ حَمِيدُ الذِّكْرِ فِي الدُّنْيَا وَجَمِيلُ الْمَقَامِ فِي الآخِرَةِ؟ فَرَدِّدْ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ : ” وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) ” سورة الشعراء

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ تَعَالَى وَرِضْوَانٍ, يَنْظُرُ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ إِلَى صَالِحِ الأَعْمَالِ لا إِلَى طَالِحِهَا لِيَبْنِيَ مَجْدًا عَلَى مَجْدٍ وَيَصْعَدَ سُلَّمَ الْعَلْيَاءِ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَيْقِنُوا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدِ اسْتَخْلَفَكُمْ فِي الأَرْضِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَلْيَأْخُذِ الْعَاقِلُ مِنْ مَاضِي أيَّامِهِ مَا يُضِيءُ لَهُ حاضِرَهُ وَمُسْتَقْبَلَهُ. ؛ فَفِي التَّارِيخِ دُرُوسٌ بالِغَةٌ وَعِظاتٌ، فَخُذُوا الْعِبَرَ مِمَّنْ غَبَرَ، وَهَذَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى كَمْ يَلْفِتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَوَاقِفِ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَهُ لِيَسْتَبْصِرَ بِهَا فِيمَا يُعَالِجُهُ مِنَ الأَحْدَاثِ الَّتِي تَشْغَلُهُ، وَالْمَوَاقِفِ الَّتِي تَمُرُّ عَلَيْهِ، يَقُولُ جَلَّ وَعَلا : ” وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) سورة هود ” وَاسْتَبْصِرُوا فِي تَعَامُلِكُمْ مَعَ الأَحْدَاثِ الْمُحِيطَةِ بِكُمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَوَاقِفِ عُلَمَائِكُمُ الْعَامِلِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ،وَأسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ مِنْ كُلِّ ذنَبٍ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ بَرٌّ تَوَّابٌ كَرِيْمٌ.

*** *** ***

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَحْوَجَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يُوَدِّعُونَ عَامًا وَيَسْتَقْبِلُونَ عَامًا جَدِيدًا إِلَى أَنْ يُجَدِّدُوا عَهْدَهُمْ مَعَ اللهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، صلى الله عليه وسلم فَيَسْتَلُّوا السَّخَائِمَ وَالأَحْقَادَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَيَعُودُوا إِلَى الْمَوَدَّةِ وَالصَّفَاءِ، وَالأُلْفَةِ وَالإِخَاءِ، وَيُعْطوا الأُخُوَّةَ الإِسْلامِيَّةَ مَعْنَاهَا الصَّحِيحَ، وَيُحَقِّقوها فِي حَيَاتِهِمْ عَمَلا وَواقِعًا. أَلا يَكْتَفُونَ بِمَا جَرَّ عَلَيْهِمُ التَّشَرْذُمُ مِنْ وَيْلاتٍ، وَمَا نَجَمَ عَنْهُ مِنْ التَّدَخُّلِ السّافِرِ لِلآخَرينَ فِي شُؤُونِهِمُ الدَّاخِلِيَّةِ، وَهَذَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى يُنْذِرُ مِنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) الانفال، وَيَقُولُ ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ال عمران “، وَمَا أَجْمَلَ مَقُولَةَ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَمَا قَالَ: ))نَحْنُ قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلامِ، فَإِذَا ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ فِي غَيْرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ)).

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56 ) الاحزاب

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل
...