خطبة عن بداية سنة هجرية جديدة
.خطبة بعنوان بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ 1443 .
خطبة مختصرة بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ
خطبة الجمعة مكتوبة قصيرة عن بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ
الخطبة الاولى
مع بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، يُنْجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ، لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحزَنُونَ، وَيَمنَحُهُمْ مِنْ فَضْـلِهِ أَجْرًا غَيْرَ مَمنُونٍ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْـلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، مَنْ تَوكَّلَ عَلَيْهِ بَعْدَ طَرْقِ الأَسْبَابِ حَفِظَهُ وَرَعَاهُ، وَكَلَّلَ بِالنَّجَاحِ مَسْعَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَخْرَجَ اللهُ بِبِعثَـتِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَعَلَ فِي هِجْرَتِهِ دَرْسًا فِي حُسْنِ التَّوَكُّلِ وَتَرتِيبِ الأُمُورِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ.. فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ يُوَدِّعُ المُسلِمُونَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ عَامًا هِجْرِيًّا، وَيَستَقْبِلُونَ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ عَامًا هِجْريًّا جَدِيدًا، وَالذَّكِيُّ الأَرِيبُ، الفَطِنُ اللَّبِيْبُ هُوَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْ مُرُورِ الأَيَّامِ وَكَرِّ الأَعْوَامِ عِظَةً وَعِبْرَةً، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا))(1).
وَفِي بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ يَتَنَسَّمُ المُسلِمُونَ أَرِيجَ حَدَثٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْدَاثِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ الهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَهُوَ حَدَثٌ يَبْـقَى شَاخِصًا فِي الأَذْهَانِ مَاثِلاً فِي القُلُوبِ لاَ يُنْسِيْهِ كَرُّ الدُّهُورِ وَتَعاقُبُ الأَجْيَالِ، لِمَا لَهُ مِنْ أََثَرٍ عَظِيمٍ وَدَوْرٍ فَعَّالٍ، وَدُرُوسٍ مُستَفَادَةٍ، وَعِبَرٍ هِيَ أَعْظَمُ أَثَرًا وَأَكْثَرُ إِفَادَةً، مَنْ تَفَكَّرَ فِيهَا وَاستَفَادَ مِنْهَا أَمِنَ العِثَارَ، وَرَافَقَهُ التَّوفِيقُ أَيْنَمَا حَلَّ وَحَيثُما سَارَ.
إِنَّهَا مَنَارَاتٌ وَمَعَالِمُ، وَآيَاتٌ عَلَى الطَّرِيقِ تُحَدِّدُ الاتِّجَاهَ وَتُحَقِّقُ النَّجَاةَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)) (2) ، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(3)، إِنَّ الهِجْرَةَ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ انتِقَالِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خُطَّةً مَرْسُومَةً حَاكَتْهَا الأَقْدَارُ، وَقَامَ بِتَنْفِيذِها الرَّسُولُ المُخْتَارُ -صلى الله عليه وسلم- بإِذْنِ رَبِّهِ وَمَولاَهُ، الذِي اخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ، كَمَا كَانَتِ الهِجْرَةُ امتِحَانًا لِمَضَاءِ العَزِيمَةِ وَقُوَّةِ الإِرَادَةِ.
كَي يَتَحَقَّقَ فِي الوَاقِعِ مَا قَدَّرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَرَادَهُ، لَقَدْ تَآمَرَ المُشْرِكُونَ وَدَبَّرُوا، وَخَطَّطُوا وَمَكَرُوا، وَلَكِنْ أَيْنَ مَكْرُ مَنْ مَكَرَ، وَأَيْنَ تَدْبِيرُ مَنْ دَبَّرَ، أَمَامَ قُوَّةِ اللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ؟ يَقُولُ تَعَالَى: ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) (4).
عِبَادَ اللهِ ..: إِنَّ فِي الهِجْرَةِ عِبَرًا وَعِظَاتٍ، وَحَسْبُ المُؤمِنِ البَحْثُ وَالدِّرَاسَةُ بِكُلِّ فِطْنَةٍ وَكِيَاسَةٍ، وَالحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ أَنَّى وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، لَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- وَدَأْبِهِ أنَّهُ إِذَا عَزَمَ عَلَى إِنْجَازِ عَمَلٍ مَا؛ دَرَسَهُ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهِ، دَرَسَ ظَاهِرَهُ وَبَحَثَ عَنْ خَوَافِيهِ.
وَلَقَدْ خَطَّطَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لِلْهِجْرَةِ أَعْظَمَ تَخْطِيطٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ سَبِيلاً لإِنْجَاحِهَا وَالوُصُولِ إِلَى غَايَاتِهَا المَقْصُودَةِ وَأَهْدَافِهَا المَنْشُودَةِ إِلاَّ سَلَكَهُ، وَلَمْ يَدَعْ بَابًا لِضَمَانِ نَجَاحِهَا إِلاَّ طَرَقَهُ، ثُمَّ تَوكَّلَ عَلَى اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ سَائلاًً إِيَّاهُ أََنْ يُيَسِّرَ لَهُ الأُمُورَ وَيُنِيرَ لَهُ المَسَالِكَ وَالدُّرُوبَ؛ لِيَدْخُلَ المَدِينَةَ مَدْخَلَ صِدْقٍ كَمَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مَخْرَجَ صِدْقٍ، فَقَالَ مَا عَلَّمَهُ رَبُّهُ: ((وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْـنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا))(5).
إنَّ المُؤمِنَ الذِي يَتَّخِذُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوَتَهُ، وَيَجْعَلُهُ دَائمًا قُدْوَتَهُ، يُعِدُّ لِكُلِّ أَمْرٍ عُدَّتَهُ، وَلاَ يُفَرِّطُ قِيْدَ أَنْمُلَةٍ فِي استِجْمَاعِ أَسْبَابِ الوُصُولِ إِلَى الغَايَةِ وَالهَدَفِ، وَلاَ يَتْرُكُ الأَمْرَ لِلْحُظُوظِ وَالصُّدَفِ، وَهَذَا هُوَ التَّوكُّلُ الإِيجَابِيُّ الذِي يَنْشُدُهُ الإِسْلامُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَيَحُثُّ عَلَيْهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا))(6).
فَالإِيمَانُ بِاللهِ وَالتَّوكُّلُ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضُ الأُمُورِ إِلَيْهِ لاَ يُبَرِّرُ أَبدًا اتِّكَالِيَّةً، وَلاَ يُسَوِّغُ انْتَهَاجَ عَشْوَائيَّةٍ، فَالمُؤمِنُ بِاللهِ المُتَوَكِّلُ عَلَيْهِ يُؤمِنُ إِيمَانًا لاَ رَيْبَ فِيهِ بِأَنَّ للهِ فِي كَونِهِ سُنَنًا، وَمِنْ هَذِهِ السُّنَنِ التِي أَجْرَاهَا ارتِبَاطُ الأَسْبَابِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَالمُقَدِّمَاتِ بِنَتَائِجِها، ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))(7).
أَيُّها المُؤمِنونَ . إِنَّ الهِجْرَةَ تُعلِّمُنَا أَنَّ الوُصُولَ إِلَى الغَايَةِ المَرجُوَّةِ وَالهَدَفِ المُرَادِ يَحتَاجُ إِلَى جُهْدٍ مُتَواصِلٍ، وَلاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ تَحْدِيدِ الهَدَفِ، فَالذِي يُرِيدُ ثَمَرَةً مِنْ شَجَرَةٍ لاَ بُدَّ أَنْ يَهُزَّهَا أَو يَصْعَدَ عَلَيْهَا، وَمِنَ العَبَثِ الاكتِفَاءُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَالقُصُورُ لاَ يَأْتِي عَادَةً مِنْ تَحْدِيدِ الهَدَفِ، بَلْ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي اخْتِيَارِ أَنْجَعِ الأَسَالِيبِ المُوصِلَةِ إِلَيْهِ، كَمَا عَلَّمَنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الهِجْرَةِ كَيْفَ يُستَفَادُ مِنَ الطَّاقَاتِ وَالكَفَاءَاتِ وَالخِبْراتِ؛ فَقَدْ حَرَصَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَلَى أَنْ يُشَارِكَ فِي الهِجْرَةِ وَإِنْجَاحِهَا وَالوُصُولِ إِلَى غَايَتِهَا الرِجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالشَّبَابُ.
فَكَانَ لِلْجَمِيعِ جُهُودٌ مَشْكُورَةٌ، وَأَدْوَارٌ خَالِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ مَنْكُورَةٍ؛ لِيُعلِّمَ أُمَّـتَهُ أَنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ فِي تَضَافُرِ الجُهُودِ؛ لِلْوُصُولِ إِلَى الغَايَةِ المَرْجُوَّةِ وَالهَدَفِ المَنْشُودِ، وَقَدْ وَكَلَ -صلى الله عليه وسلم- لِكُلِّ مُشَارِكٍ وَمُعَاوِنٍ مَا يُنَاسِبُهُ حَسَبِ خِبْرَتِهِ وَكَفَاءَتِهِ، فَلِلْخِبْرَةِ وَالكَفَاءَةِ دَوْرٌ مُهِمٌّ فِي إِتْقَانِ العَمَلِ وَإِنْجَازِ المَهَامِّ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- اختَارَ رَجُلاً خَبِيَرًا بِطُرُقِ الصَّحْرَاءِ، مَعَ أنَّهُ كَانَ مِنْ غَيْرِ المُسلِمِينَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْتَفِعَ المُسلِمُونَ بِمَواهِبِ الآخَرِينَ وَخِبْرَاتِهِمْ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ عَقَائِدِهِمْ، وَخُصُوصًا إِذَا تَعَسَّرَ الحُصُولُ عَلَى مُسلِمٍ يَملِكُ الكَفَاءَةَ أَو المَوهِبَةَ نَفْسَهَا، وَفِي تَوزِيعِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- لأَدْوَارِ الذِينَ شَارَكُوا فِي الهِجْرَةِ دَرْسٌ لَنَا - مَعْـشَرَ المُسلِمِينَ - فِي الاستِفَادَةِ مِنَ الخِبْرَاتِ، وَمَا يُثْمِرُهُ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدَ وَخَيْرَاتٍ، فِي المُؤَسَّسَاتِ الحُكُومِيَّةِ وَالشَّرِكَاتِ، بَلْ فِي جَمِيعِ المَجَالاَتِ.
فَإِذَا كَانَ كُلُّ عَامِلٍ خَبِيرًا فِي عَمَلِهِ، مُتَفَوِّقًا فِي تَخَصُّصِهِ؛ وَفَّرَ كَثِيرًا مِنَ الأَوقَاتِ التِي يُمْـكِنُ استِغْلاَلُهَا لأَعْمَالٍ أُخْرَى أَكْثَرَ إِفَادَةً، تَعُودُ عَلَى المُجتَمَعِ بِالرَّفَاهِيَةِ وَالسَّعَادَةِ، إِنَّ الأَصلَ فِي العَمَلِ هُوَ أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ فِي المَيْدَانِ الذِي يُنَاسِبُ قُدُرَاتِهِ وَخِبْرَاتِهِ.
وَلَقَدْ كَانَ تَضَافُرُ جُهُودِ كُلِّ المُشَارِكِينَ فِي الهِجْرَةِ سَببًا مِنْ أَسْبَابِ نَجَاحِهَا؛ فَبِتَضَافُرِ الجُهُودِ مَعَ الإِحْسَاسِ بِالمَسؤولِيَّةِ نُحَقِّقُ أَهْدَافَنَا، وَنَصِلُ إِلَى غَايَاتِنَا.
أَيُّها المُؤمِنونَ : إنَّ الهِجْرَةَ تُعلِّمُنَا أَنَّ الصِّدْقَ فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ، وَالمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ، صِفَةٌ بِالمُؤمِنِ خَلِيقَةٌ، وَهِيَ بِهِ لَصِيقَةٌ، لاَ تُفَارِقُهُ وَلاَ يُفَارِقُهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ الأَوقَاتِ، فَالصِّدقُ يُنْجِي وَلاَ يُرْدِي، ومَنْ ظَنَّ أنَّ النَّجَاحَ فِي الكَذِبِ وَأَنَّ الهَلَكَةَ
فِي الصِّدْقِ، فَقَدْ بَعُدَ عَنْ طَرِيقِ السَّدَادِ، وَحَادَ عَنْ سَبِيلِ الهُدَى وَالرَّشَادِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ))(8)، وَجَاءَ فِي الأَثَرِ: ((تحَرَّوُا الصِّدْقَ؛ وَإِنْ رَأَيتُمْ أَنَّ الهَلَكَةَ فِيهِ، فَإنَّ فِيهِ النَّجَاةَ))، وَلَقَدْ كَانَ الصِّدقُ فِي الهِجْرَةِ مَنَارَةً، تَجلَّى فِي العَمَلِ وَفِي اللَّفْظِ وَالعِبَارَةِ، حَيْثُ اتَّخَذَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - المَعَارِيضَ مَنْدُوحَةً عَنِ الكَذِبِ وَالتِزَامًا بِالصِّدْقِ، فَفِي طَرِيقِ الهِجْرَةِ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَرُبَّمَا عَرَفَ الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ وَلَمْ يَعْرِفِ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- ، فَيَتَوَجَّهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَيَسأَلُهُ فَيَقُولُ: "مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِي مَعَكَ؟ فَيَقُولُ أَبُوبَكْرٍ: هَذَا رَجَلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ"؛
فَتَحَرَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدْقَ فَوَصَفَ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- بِأَعْظَمِ أَوْصَافِهِ دُونَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ التَّحَوُّطِ الحَكِيمِ؛ فِي وَقْتٍ اشْتدَّ فِيهِ الطَّلَبُ لِلنَّبِيِّ الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- .
أيُّهَا المُسلِمُونَ :لِكَي يَضْمَنَ المَرْءُ تَفَوُّقَهُ وَنَجَاحَهُ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الصَّبْرَ سِلاَحَهُ، فَنَجَاحُ الهِجْرَةِ لَمْ يَأْتِ وَلِيدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بَلْ إِنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- مَهَّدَ لَهُ بِلِقَاءَاتٍ ثَلاَثَةٍ مَعَ طَلاَئعِ الأَنْصَارِ استَغْرَقَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، حَقَّقَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سُنَّةَ التَّدَرُّجِ فِي الأُمُورِ، وَهَكَذَا تَعلِّمُنَا الهِجْرَةُ أَنَّ الصَّبْرَ وَالتَّدَرُّجَ وَالإِمْهَالَ دُونَ إِهْمَالٍ، هُوَ ضَمَانٌ لِنَجَاحِ الأَعْمَالِ وَتَحقِيقِ الأَهْدَافِ وَالآمَالِ
فَحَرِيٌّ بِنَا - عِبَادَ اللهِ - أَنْ نَجْعَلَ الصَّبْرَ رَفِيقَنا فِي كُلِّ الأَعْمَالِ وَفِي كُلِّ مَجَالٍ، فَالصَّبْرُ فَضِيلَةٌ يَحتَاجُ الإِنْسَانُ إِلَيْهَا فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَبِالصَّبْرِ تَتَذلَّلُ الصُّعُوبَاتُ، وَتَنْزَاحُ الضَّوائِقُ وَالأَزَمَاتُ، فَمَنْ وَاجَهَ كُلَّ حَدَثٍ بِفِكْرٍ وَبَصِيرَةٍ وَصَبْرٍ جَمِيلٍ أُضِيئَتْ أَمَامَهُ السُّبلُ وَوَضَحَتْ، وَسَلِمَتْ أَعْمَالُهُ مِنَ الخَلَلِ وَصَلَحَتْ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((الصَّبْرُ ضِيَاءٌ))، وَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))(9).
تابع قراءة الخطبة كاملة على مربع الاجابة اسفل الصفحة