بواسطة

نبذة عن الزراعة في عهد اليعاربة مزارع اليعاربة في المصنعة، وفلج الكامل الذي لم يكتمل

 التاريخ العماني في عهد اليعاربة

مزارع اليعاربة في المصنعة، وفلج الكامل الذي لم يكتمل.

 التاريخ العماني في عهد اليعاربة

بدأ الاهتمام بالزراعة في عهد اليعاربة في فترة حكم الإمام سيف بن سلطان اليعربي الأول فقد أصلحت في عهده ١٧ فلجا ومنها الصائغي ومسفاة العبريين وفي عهده غرس ٣٠ ألف نخلة و٦ الآف من جوز الهند وأدخل في عمان الورس والزعفران والبن .

تميّز عهد اليعاربة بالاستقرار السياسي والاقتصادي؛ مما ساهم في إثراء الحياة في كافة المجالات، ومنها مجال الزراعة. وقد جاء الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي الذي عاشته عُمان خلال تلك الحقبة؛ نتيجة لتميز أئمة اليعاربة، وخاصة الأئمة الخمسة الأوائل (الإمام ناصر بن مرشد، وسلطان بن سيف، وبلعرب بن سلطان، وسيف بن سلطان، وسلطان بن سيف الثاني). 

وكان الإمام سيف بن سلطان -الملقب بقيد الأرض- شخصية فذة، دلت على ذلك الإنجازات الحضارية والمعمارية والثقافية واستقطابه لهامات سياسية وثقافية من خارج القطر العُماني مثل شخصية المنتفقي(ت القرن12هـ) الأديب الذي جاء الى عُمان والتحق بقيد الأرض، وكتب قصيدة رثاء رائعة له، وقد تميّز عهده ومن خلفه بالعناية بشق الأفلاج في عُمان.

وكان الاستثمار الزراعي أحد أهم سمات الفترة اليعربية؛ حيث شقت الأفلاج والقنوات على طول عُمان، وظهرت واحات جديدة، وانتعشت واحات سابقة، وتوسعت أنظمة الري (الأفلاج)، وشق أنظمة جديدة، ومع الزخم الذي واكب تلك الفترة فقد ظهرت تحديات فنية تمثلت في استحالة شق قنوات الأفلاج في منطقة الباطنة(أقصد هنا بركاء والمصنعة والسويق بالتحديد)، ويعزى ذلك إلى التربة الهشة التي قد تتساقط في القنوات تحت الأرض، مما يسبب دمار النظام بالكامل. (مثلما حدث عند شق فلج الخطمين ببركة الموز بولاية نزوى زمن الإمام سلطان بن سيف اليعربي، وأدى إلى مقتل 7 أشخاص، مع فارق الشبه بين الداخلية والباطنة) خلافاً للأماكن الحصوية التي تتماسك فيها حبيبات الحجر أو الحصى؛ مما يجعلها في مأمن من الانهيارات في أغلب الظروف. رغم أن سهل الباطنة منطقة مؤهلة للزراعة ولا تحتاج تربته الى استصلاح، إلا أن عائق الأفلاج والقنوات الأرضية مثل التحدي الأبرز في إيصال هذه القنوات المائية .وعملاً بنظرية "التحدي والاستجابة" للمؤرخ البريطاني أرنولد جوزف توينبي، فقد ظهرت فكرة نقل المياه الغزيرة في الرستاق من عدة منابع عبر قناة فوق الأرض تنقل المياه على مسافة 40 كيلومتر باتجاه سهل المصنعة، وكان فلج الحزم ينقل المياه من واحة الحزم إلى الطريف في المصنعة ومن بعدها الشعيبة، التي كانت مزارعاً لليعاربة، وملكا لهم حسب الروايات الشفهية. ولذلك جاء اسهما المعروف إلى اليوم "مزارع الشعيبة"، كما يشير أسمها أيضا إلى مكان تجمع المياه، التي تجري بعضها في وادي الشعيبة ووادي مدفع، وترفد المصنعة عدداً من الأودية بالإضافة إلى وادي الشعيبة، ووادي مدفع، فهناك وادي العيص، ووادي القرط، ووادي بيبيه (العرصة) في المغسر، بالإضافة إلى وادي جاسم في محارة (يذكر في الوثائق باسم وادي القاسم). 

أما فلج الكامل فقد سُمي تيمناً لاستكمال هذا المشروع الكبير الذي كان من المعول عليه أن يغذي المزارع في المصنعة في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي، لكنه للأسف لم يكتمل نظراً لوفاة الإمام. وآثاره باقية إلى اليوم في الطريق الذي يربط الطريف بجما. أما المنابع التي ينبع منها فلج الكامل، والتي تلتقي في المسفاة، هي: 

1- يقا في وادي بني غافر، حيث قام المختصون من المساحين بعمل تنقيبات وتبيّن وجود كميات من المياه الجوفية في الوادي الشرقي لقرية يقا. حيث يشير الأهالي الى وجود نقش حجري للإمام قيد الأرض كتب فيه (بحر يموج، سهل الخروج)، ويقول الباحث حارث الخروصي الذي أتوجه له بالشكر الجزيل، فقد مدني بكثير من المعلومات في هذا الجانب: "لقد زرنا الموقع، ولم نتعرف على النقش المشار إليه، والذي قيل إنه من صنع الإمام قيد الأرض، بل وجدنا العبارة تتكرر في أكثر من مكان في الوادي دون وجود ما يشير إلى صاحبها أو الشخص الذي قام بنحتها. وربما من بنى الفلج في تلك المرحلة هم من قاموا بكتابة تلك العبارات في أكثر من موضع في الوادي. وقد شقت القنوات ورفعت على العقود ( أعمدة مقوسة) بما يتناسب مع تضاريس المنطقة الوعرة، لكن المشروع توقف فجأة، ولم تبطن القنوات بالصاروج، إلا أنها ماثلة الى اليوم بكل وضوح".

2- عين الخضراء في وادي السحتن وهي عين قديمة دافئة دائمة الجريان تقع في وادي السحتن بالرستاق، ومن مميزاتها أنها ثابتة التدفق، وكان من المفترض أن تكون جزءاً من مشروع النهر العملاق الذي أطلق عليه فلج الكامل.

3- سد قديم يقع في المضيق بين قرية الخضراء وفشح أو فسح، ربما تم الإشارة إليها بفجح نسبة الى أحد فروع قبائل اليحمد التي سكنت المنطقة قديماً. وكانت بقايا هذا السد ماثلة إلى أن تمت إزالته نهائياً في مشروع إنشاء طريق وادي السحتن، وقد بُني هذا السد بالصاروج، وعرضه يزيد عن 3 أمتار، ويبدو أن الأودية الجارفة تسببت في دماره. 

4- وادي حيل بَنت بالقرب من الرستاق، وقد تم عمل ثقوب للفلج، لكن لا يوجد ما يشير إلى أنه شرع في عمل السواقي التي تنقل المياه. 

5- فلج الكامل بالقرب من قرية المسفاة (مسفاة الجوابر) الواقعة بين الرستاق والمصنعة، وما تزال اثار الفلج ماثلة الى اليوم كما أن الجزء المكتمل من الفلج تم استغلاله لسقي القرية وما يزال يعمل الى اليوم بكل كفاءة، إلا أن بعض الأجزاء القديمة مندثرة . 

6- فلج الحزم، وكان بالفعل يسقي بعض المزارع في الطريف. 

7- أجزاء غير مكتملة من الفلج وثقوب أرضية بين قرية جما والطريف من المحتمل أن تكون جزءاً من منظومة فلج الكامل. 

وتشير الأخبار المروية إلى أن الإمام استقدم العمال من أفريقيا، كما وظف المهندسين والمساحين من عُمان، وقام بإنشاء قرية عمالية في منطقة (موريا) بين الرستاق والمصنعة للعمل في المشروع، وما تزال بقايا القرية العمالية ماثلة الى اليوم، بالإضافة إلى مقبرة، ووقف عليها بعض الباحثين كما يشير حارث الخروصي، الذي أضاف: "من خلال المسح الذي قمتُ به في الفترة الماضية، والذي شمل العديد من الأفلاج الميتة، ومن ضمنها فلج القرواشي وأفلاج مناقي، فإن منظومة فلج الكامل قد خطط لها أن تكون أوسع مما نتصور، حيث كان من المفترض أن يكون نهراً عظيماً يسقي المصنعة التي تحوي تربة جاهزة للزراعة، ووقوعها على ميناء إستراتيجي هام، وكان فلج الكامل إذا ما قدر له الاكتمال لأصبح مشروعاً عملاقاً لا نظير له في الجزيرة العربية".

وفي رأيي أن الموضوع يحتاج لمزيد من البحوث الميدانية والاستكشافية وعمل خرائط نظم المعلومات الجغرافية؛ للحصول على مزيد من المعلومات حوله.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
مزارع اليعاربة في المصنعة، وفلج الكامل الذي لم يكتمل

اسئلة متعلقة

...