هل يمثل اليومي واقعا نقاد إليه أم وجودا نحقق فيه ذواتنا
حل السؤال هل يمثل اليومي واقعا نقاد إليه أم وجودا نحقق فيه ذواتنا
.
.
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ هل يمثل اليومي واقعا نقاد إليه أم وجودا نحقق فيه ذواتنا
.
.
الإجابة
اليومي والفلسفة
يقول آلان : " من لم يبدأ بعدم الفهم، لا يعرف معنى التفكير "
المفهوم :
للفظ اليومي معاني متشعّبة ومعقّدة جدّا إلى حدّ أنّه يصعب ضبط مفهوم ومعنى واضح لهذا اللفظ. إلاّ أنّنا سنحاول أن نسوق بعض المفاهيم التي قد تتوافق ولفظة اليومي.
إذ أنّ كلمة اليومي يمكن أن تحيل على : الرتابة، الاجترار، الانغلاق، الخمول والكسل الفكري، الرضى بالجاهز والتسليم به.
وكلّ هذا في الحقيقة يحيل إلى معنى واضح وهو: الفكر السّائد وهو الفكر الذي يسلّم بكلّ شيء دون أيّ تفكير أو إعمال للعقل.
فعبارة اليومي بكلّ ما تحمل من معاني ودلالات تحيل دائما وفي كلّ الحالات إلى العنف المسلّط على الإنسان من قبل العالم. فهذا العالم وبلا شكّ يمارس على الإنسان جملة من الضغوطات والإلزامات التي تكبّل الإنسان وتعوق عمليّة التفكير. بل وأكثر من ذلك يصبح الإنسان في ظلّ هذه القسوة المسلّطة عليه إلى كائن لا مفكّر، ولهذا فنحن نقرن لفظة اليومي بلفظة الوثوقيّة والدغمائيّة. إذن فاليومي يفرض وصايته على الفكر إلى حدّ أنّ الإنسان يفتقد حريّة التفكير وهذه هي مأساة الإنسان الحقيقيّة. لذلك فنحن نلجأ للفلسفة حتّى تعتقنا من سلطة اليومي وتحرّرنا من تبعاته، ذلك لأنّ رسالة الفيلسوف هي إقامة القطيعة بين الفكر السّائد والفكر الفلسفي (الفكر السّائد يسلّم بكلّ شيء دون برهان لأنّه فكر تعوّد في ظلّ ما هو يومي بالحلول الجاهزة والتسليم بالأحكام المسبقة).
مفهوم اليومي يظلّ إذن مرتبط أساسا بما هو سلبي، ذلك لأنّ اليومي يفرض على الإنسان جملة من الأفكار التي نجبر على تقبّلها سلبيّا دون فحص أو نقد أو تأمّل، فهذه الأفكار لا دخل للذات في بنائها بل إنّ مصدرها هو الآخر(المجتمع، العادات، التقاليد، الموروث...).
في علاقة اليومي بالفلسفة :
تغدو الفلسفة مقاومة لليومي الجاثم فهي التي تقيم فارقا بين المعرفة الحقّ (النابعة من العقل والقائمة على التفحّص والتمعّن والتبصّر الذهني) وبين إعتقاد المعرفة (الوثوقيّة) ذلك لأنّ الفيلسوف ينكر عن نفسه حقّ الإقامة في معرفة مطلقة في مقابل العامّي الذي يدّعي أنّه يعرف. إذن فإنّ قيمة التفلسف يستمدّ مشروعيّته من حيث أنّه يراهن على تحرير الإنسان من وساطة فكر اليومي.
إذن فإنّه هنالك مقابلة كبيرة بين اليوميّ والفلسفة، وهي مقابلة تذكّرنا بمقابلات بين أزواج متعددة مثل الرّتابة/التجدد، والاجترار/الإبداع، والانغلاق / الانفتاح، والفلسفة/اليومي.
وفي اعتقادي أن هذا الزوج الأخير يكاد يضم الأزواج الأخرى جميعها. ذلك أن اليومي يعني الاجترار والتكرار، واجتماعياً الرتابة ، وإيديولوجيا الدوكسا وبادئ الرأي، وزمانياً التقليد والماضي الجاثم، وأنطولوجيا التطابق والوحدة.
على هذا النحو تغدو الفلسفة، في مقابلتها لليومي، سعياً وراء إحداث الفجوات في ما يبدو متصلاًَ، وخلق الفراغ في ما يبدو ممتلئاً، وزرع الشك في ما يبدو بديهياً، وبعث روح التحديث في ما يعمل تقليداً، وتوليد البارادوكس في ما يعمل دوكسا.
الفلسفة اذاً مقاومة تعمل في جبهات متعددة، أي تعمل ضد كل ما من شأنه أن يكرس الامتلاء والتطابق والتقليد.
الفلسفة هي محاولة لاسترجاع الإنسان لإنسانيّته بعيدا عن عالم يفرض الطاعة على الفرد ويفقده حتّى القدرة على التمييز، والفلسفة أيضا محاولة لإحياء حس الاختلاف وزرع روح التحرّر. إن الفلسفة تنسج على أرضية الحريّة، أو على الأصح إنها هي التي تقيم تلك الحرّيّة.
الفلسفة بوصفها تفكيرا في اليوميّ
التفكير باليومي والاشتغال على أهمّ القضايا التي تخترقه من العمق، هو أحد أهمّ التوجّهات الفلسفية المعاصرة. وهي توجّهات تهدف إلى التخلّص من مأزق الفلسفة الذي وصلت فيه إلى طريق مسدود بسبب ما يُنسب إليها من نظريات ومناهج ومقولات تتعالى فيها على ما هو يوميّ ومتغيّر وآنيّ وجزئيّ لصالح ما هو كوني وشمولي وأنساق ثابتة، حتّى غدت منطوية على نفسها تعيد طرح مواضيعها وتعيد كذلك فرز توجّهاتها، بينما الواقع اليومي بهمومه وقضاياه يتنفّس هواء مختلفا ويطرح تحديّات على الفكر ليس بوسع الفلسفة ومناهجها التي تولّدت في القرن التاسع عشر أن تجيب عن مثل هذه القضايا والتحديّات.
ولا شكّ أنّ تحلّل مفهوم الأمومة كما تشهد عليها ظاهرة ما يُسمّى بالأمّهات البديلات المنتشرة في الهند بسبب الفقر، وعلاقة ذلك بالتغيّرات الاجتماعية والأخلاقية، وما يتّصل بها من مفهوم التبنّي الأسري في المجتمعات الحديثة هي إحدى تجلّيات مثل هذه القضايا. ربّما يتساءل المرء هنا أنّنا في المجتمعات العربية بمنأى عن هذه الظواهر، لذلك لا حاجة إلى طرح مثل هذه المسائل على الفكر والفلسفة لأنّها ببساطة لا تمسّ هموم الإنسان العربي ولا قضاياه من العمق. قد يبدو هذا صحيحا من وجهة نظر تتعامى عن فهم الانزياحات الثقافية بالمفهوم الأنثروبولوجي التي تطال جميع المجتمعات. فعولمة نمط العيش، وعولمة المشاعر الإنسانية كذلك هي واحدة من أهمّ هذه الانزياحات. أليست سمة الاستهلاك هي ما تحكم حياتنا اليومية في جميع جوانبها المختلفة: من الأكل واللّباس وقيادة السيّارة واستعمال التقنية والسير في شوارع المدن المختلفة وارتياد المقاهي والمنازل والأعمال، إضافة إلى توسيع رقعة المشاعرالمشتركة بين شعوب العالم من قبيل ردود الأفعال حول الكوارث الإنسانية التي تصيب الإنسان جرّاء الطبيعة أو العنف البشري. هذه الكوارث توحّد المشاعر وتوحّد ردود أفعالها من غضب وفرح وحزن بفضل تقنيات الاتّصالات العالمية. إذن جميع هذه الاعتبارات تقودنا إلى القول من وجهة نظر أخرى أنّنا مدعوون جميعا لتأمّل تحوّلات هذا العالم الذي نعيش فيه بوصفنا متورّطين إنسانيّا في صنع حياة مشتركة تحفظ للإنسان كرامته على هذه الأرض. لذلك انفتاح الفلسفة على مجرى الواقع اليوميّ يلبّي مثل هذا التورّط الإنساني التي تسعى إليها المعرفة من العمق. أليس إعمال الفكر في ظواهر اجتماعية من قبيل مفهوم النجومية وعلاقته بالعوالم التي تفرّخه مثل السينما والرياضة والسياسة والإعلام والموضة والغناء والأزياء والدين هي حصانة ضدّ السقوط في فخّ تعالي الفكر وانفصاله عن الهمّ اليوميّ. ألم يتحدّث رولان بارت عن الرياضة والموضة بوصفهما إحدى أهمّ متيولوجيات الواقع اليوميّ؟. وفي ذاكرتي العديد من المفكّرين والفلاسفة الذين أخذوا الفلسفة ومناهجها في العلوم الإنسانية إلى الارتباط بالفكر اليومي: من ميشيل فوكو وجيل دولوز وجاك ديريدا إلى جان بودريار وجان ليوتار. إلى واحد من مؤسّسي علم اجتماع اليومي وهو الفرنسي مشيل مافيزولي. يقول في كتابه" تأمّل العالم من خلال مقدّمة مُترجِمِه فريد الزاهي»: (.. أنّ الغرب يشهد منذ ثمانينات القرن الماضي انهيارا متواترا للبنيات المؤسّسية الكبرى التي كانت تمنح معنى للمجتمع. فقد انتهى الغرب إلى ضرب من الإشباع في مجال الظواهر التجريدية والقيم الكبرى والآليات الاقتصادية والإيديولوجية. بالمقابل ثمّة انبثاق للكيفي واللَهْوِي وتجذّر للصورة وثورة في مجال التواصل وبدأت الجماهير تركّز وتتمركز حول اليوميّ والحاضر والأنشطة التي لا غائية لها). هذه التأمّلات العميقة في التحليل للمجتمع الغربي يقف خلفها ثراء معرفي في المصادر والرؤى والمناهج، وإحساس عميق يعي تماما زمنيته إزاء ما يحدث للبنية الاجتماعية والثقافية من شروخ تمسّ عمق الشعور الإنساني. لذلك من يحاول أن يفهم المجتمعات الغربية عليه أن يوجد الصلة الوثيقة بين النصوص الفكرية والفلسفية والأدبية من جهة، وبين علاقتها بالواقع اليومي التي اتّكأت عليه تلك النصوص في إنتاج مفاهيمها وتصوّراتها ونتائجها. لا يجدي أن نفهم النصوص بمعزل عن ارتباط تشكلها بالحياة اليومية في الغرب، وهذا بالتأكيد يتطلّب معرفة دقيقة بالتاريخ الغربي في أدقّ تفاصيله. لكن للأسف لم يحاول الفكر العربي أن يقبض على مثل هذه اللحظة، فهو بالكاد يترجم النصوص وحتّى يتفاعل معها نجده يعزلها عن سياق تشكّلها وظروف نشأتها مُفوّتا الفرصة عليه لتجديد فكره النقدي. وهذا ما تَنبّه له جملة من المفكّرين العرب الذين حاولوا أن يركّزوا على أهميّة التجديد في قضايا الفكر والفلسفة من خلال السعي في إظهار أهميّة ما هو يوميّ في فهم المجتمع وقضاياه وخلق وعي مغاير لمشاكله.
يقول الدكتور فتحي التريكي في مقدّمة كتابه " فلسفة الحياة اليومية: " أريد أن أتناول بالبحث إشكالية علاقة الفلسفة الحالية بالواقع المعاش، ومطمحنا في كلّ ذلك هو التأكيد على ضرورة التفكير الملّحة في مجتمعاتنا الحالية تلك التي هيمنت عليها النظريات الإقصائية التي ترتدي تارة ثوب التكنولوجيا مؤكّدة أنّ الفلسفة ما هي إلاّ أضغاث صالونات وتارة أخرى ثوب التديّن لتعلن أنّ الفكر الفلسفي يعادي في كنهه الإيمان." بالتأكيد هذا البحث له وجاهته لأنّه سوف يثير قضايا ظلّت غير مفكّر فيها أو على الأقلّ مهمّشة في محيطنا الثقافي العربي الذي لا يزال تفكيره يركّز على اللغوي والبنيوي والمؤسّساتي راميا بالجزئي والمتخيّل والجسدي في خارج المطلق على حدّ تعبير فريد الزاهي. وتنصبّ وجاهته أيضا على مفاعيله في تحريك المعرفة باتّجاه الوعي بكلّ ما هو تاريخي. يقول عبد السلام بن عبد العالي في هذا الصدد:" عندما تنصبّ الفلسفة على اليومي، وعندما تهتمّ بالصحافة واللباس والرياضة والمأكل والمشرب والشائعة والإشهار والكليب. فذلك سعي وراء الفصل بين الطبيعة والتاريخ والبحث عن الجديد في المستجدات، وعن الغريب في الألفة، وعن التاريخيّ في الأسطورة".
هل الفلسفة ضرورية في الحياة الواقعية؟
والفلسفة تنمي الفهم الجمالي والحس الفني والذوق الأدبي وكل ذلك يسهم في سمو الإنسان ورقيه. وليس هنا أي ارتباط بين الفلسفة والنيل من عقائد الناس وإيمانهم أبداً، كما يشيع أعداؤها. إن الفلسفة بهذه الوظيفة المعرفية والمنطقية والأخلاقية والجمالية يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من عملية تكوين الفرد، بوصفها كما قلنا فن التفكير
هل للفلسفة قيمة في عصرنا الحالي؟
للفلسفة دور كبير في حياة الإنسان وخاصة تفكيرها الفلسفي الذي يعلم الإنسان: الإبداع، التحرر، تحمل المسؤولية والخروج عن المألوف والمعتقدات. لقد عرفت الفلسفة تضارب وتعدد الآراء في ماهيتها، كما شهدت تواتر في علاقتها في العلم إلا أن الفلسفة تبقى رمزا كبيرا في تاريخ البشرية
ما هي مكانة الفلسفة في الحياة اليومية؟
الفلسفة بصفة عامة تساهم في بناء الإنسان عقلياً ونفسياً واجتماعياً وخلقياً ودينياً، وتساهم في بناء المجتمع وفي تطويره وازدهاره، وتساهم في أنسنة الإنسان ليحيا الإنسانية في أبعــد مداها في ذاتـه وفي محيطـه باستمرار
من وظائف الفلسفة تقديم الرؤى والمواقف بنسبية، حتى ترسيخ فكر الاختلاف والتعدد ضد الانغلاق والتزمت والدوغمائية، فلا سبيل في التحرر من قيود التسلط العلمي والتقني في عالم اليوم إلا بمحاولة فهم عميقة لما وراء الخطاب من أهداف وغايات ومرامي مُوجهة في عملية التنميط وتكريس الوجود المزيف