في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة

الفلاسفة التجريبيين ومشكلة الاستقرار مقالة حول الفلاسفة التجريبيين ومشكلة الاستقراء

 

مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم  في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية  والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ الفلاسفة التجريبيين ومشكلة الاستقراء

الإجابة هي 

 

الفلاسفة التجريبيين ومشكلة الاستقراء...للاطلاع

الاستقراء ـ كما نعرف ـ يواجه مأزقا منطقيا، لا يواجهه الاستنباط والقياس المنطقي، إذ الاستنباط لا تأتي فيه النتيجة اكبر من المقدمات، بل هي اما مساوية او اصغر من مقدماتها . اما الاستقراء فالنتيجة فيه اكبر من المقدمات، ومن ثمَّ اذا افترضنا صدق المقدمات فلا تصدق النتيجة بالضرورة، أي ان صدق المقدمات لا ينتج صدق النتيجة، خلافا للاستنباط والقياس فالنتيجة فيه صادقة بالضرورة اذا صدقت المقدمات .

الاستقراء عند فرنسيس بيكون:

لم يفلح سلف (فرنسيس) بما أفلح به الحفيد، إذ نادى الأول (روجز بيكون) قبل حفيده بثلاثة قرون بضرورة إعادة هيكلة منهج العلم. إلاّ أن الحفيد (فرنسيس بيكون) أعلن أن الاستقراء هو منهج العلم، وازدرى الاستنباط سواء أكان قياساً منطقياً أم برهاناً رياضياً.

أما نظرته إلى الاستقراء فقد عالج المنهج على مرحلتين:

المرحلة السلبية: المتمثلة بتطهير العقل وتخليصه من (الأوهام) التي جاءت حسب تعداده أربعة (أوهام القبيلة ـ أوهام الكهف ـ أوهام السوق ـ أوهام المسرح) . أوهام القبيلة أو أوهام الجنس، وهي تلك الأوهام التي تأتي جراء التكوين الطبيعي للإنسان كميله المتسرع نحو التعميم والتصديق وعجز الجهاز الإدراكي، أما أوهام الكهف فهي الأوهام الذاتية التي يصاب بها كل فرد بحسب سياقه وإمكاناته، وأوهام المسرح فهي مغالطات الاستدلال في مذاهب الفلسفة.

هذهِ الأوهام أو الأصنام التي أراد بيكون أن يتحرر العقل منها ليصبح لوحاً مصقولاً تنطبع عليه صورة الظواهر الطبيعية، دون تشويه. إما كيف تنطبع فهذا ما يتكلفه المنهج الاستقرائي، وهنا يبدأ بيكون بالمرحلة الإيجابية في وصف هذا المنهج:

يبدأ الاستقراء من التجربة والملاحظة فترتيب قوائم الحضور والغياب والمقارنة، والاستقراء في كل مراحله إنَّما هو بحث عن علّة الكيفيات أو الظواهر، ليضع تفسيراً يسوغ لنا التعميم والوصول إلى القانون.

الملاحظ إن النزعة الاستقرائية بدأها (بيكون) بتفاؤل كبير في الحصول على اليقين، والوقوف على أسرار العلاقات الوجودية بين الظواهر، التي بدت ـ حسب بيكون ـ قائمة بين صور الكيفيات الحسية بدلاً عن الماهيات معشوقة أرسطو، وبدا العالم بسيطاً حسب تصوّر بيكون، يسهل الحصول على قوانينه. وبغض النظر عن النقاشات الكثيرة التي أثارتها أفكار بيكون بشأن (الصور) و (اليقين) إلا أن أكبر نقد يوجّه إلى الرجل أنه أغفل المشكلة المنطقية للاستقراء، هذه المشكلة التي وقف عندها أرسطو طويلاً، والتي تتطلب بطبيعتها حلاً وعلاجاً، أو إلغاء الاستقراء من قائمة الحجج المنطقية.

الاستقراء عند دافيدهيوم:

أثار (دافيد هيوم) إشكالية في تاريخ الحكمة، وهي وحدها ما يصحّ أن يطلق عليه (إشكالية هيوم)؛ وهي إشكالية الصدور من أحكام الواقع إلى أحكام القيمة أو العكس، وهي ما يعبّر عنه في الحكمة الإسلامية المتأخرة بإشكالية العبور من الأحكام الواقعية إلى الأحكام الاعتبارية أو العكس. أما ما أثاره هيوم بشأن إشكالية الاستقراء فلا يصح أن ننسبها إلى الرجل لأنها إشكالية مزمنة، تنبه إليها مؤسسو المنطق منذ القدم، وإذا تفاءلت النزعة الاستقرائية بالوصول إلى القوانين العامة على أساس الملاحظات الجزئية فقد أفسد هيوم على النزعة الاستقرائية تفاؤلها وأكد على الإشكالية المنطقية للاستقراء.

أجل، فالرجل لم يجد لمبادئ الاستقراء أي تبرير منطقي أو تجريبي، فالاستقراء يرتكز على مبدأي العلية والاطراد، وإنكار هذين المبدأين لا يفضي إلى تناقض منطقي، ومن ثم فهما ليسا مبدأين منطقيين، وليس في عالم الحس الذي تناله يد التجريب شيء من الضرورة والعلية، وضرورة أن تكون الأحداث التي شهدنا وقوع أمثالها في الماضي واقعة في المستقبل.

أما التعميمات الاستقرائية التي يمارسها البشر في حياتهم الاعتيادية فهي اعتقادات ذاتية ليس لها واقع موضوعي، إنَّما تنشأ هذهِ الاعتقادات جراء العادة بتكرار الاقتران بين الظواهر.

ومن هنا فالمعرفة الإنسانية كلها لدى هيوم معرفة تستند من حيث الأساس إلى التكوين النفسي (السايكولوجي) للكائن الإنساني، دون أن يكون لها سند واقعي أو منطقي. إذ المعرفة لدى هيوم حسية تجريبية، والتجارب مهما تكرّرت لا تبرر منطقياً التعميمات والأحكام العامة، التي يصوّرها البشر في حقول المعرفة المختلفة، إنَّما يركن إليها الإنسان جراء ما يتكون لديه من اعتقادات تنشأ جرا ء التكرار والعادة.

الاستقراء عند جون ستيوارت مل:

الاستقراء هو الدليل الأصيل الذي يمكن أن تعتمده المعرفة الإنسانية، أما القياس المنطقي فنتيجته تحصيل حاصل، إذ النتيجة متضمنة في المقدمات، فالكبرى الكلية في قياس الاستنباط تتضمن النتيجة. نعم قد نعتمد في القياس على كبرى لم نفحص كل مصاديقها وجزئياتها اعتماداً على الاستقراء، فتكون النتيجة جديدة لأن المقدمة استقرائية، فالاستقراء وحده يكشف عن جديد. وقد أسرف (مل) في مذهبه الحسي التجريبي، إذ عدّ قواعد الرياضيات استقرائية.

لكن السؤال هنا هو: كيف يبرر (جون ستيوارت مل) الاستقراء؟ وما هي طبيعة النتيجة المتوخاة من الاستقراء الناجح؟

اليقين الاستقرائي هو النتيجة المتوخاة من استقراء ظواهر الطبيعة، عبر متابعة درس الظاهرة وتحديد أسبابها وفق الخطوات التي حدّدها (مل) وهي خطوات تشبه إجراءات (بيكون). والسببية كما أقرَّ (مل) ليست مجرد تتابع واطراد اقتران الظواهر، إنَّما هي علاقة ضرورية، واكتشاف هذهِ العلاقة، والإذعان بمبدأ اطراد وقوع الحالات المتشابهة يشكلان المبرر للإيمان بالاستقراء، والأخذ بنتيجته.

وجون ستيوارت مل المسرف في تجريبيته اعتبر أن العلية ومبدأ الاطراد في الطبيعة مبدآن استقرائيان، أي أن العقل يكتشف صدق العلية والاطراد من خلال استقراء عالم الطبيعة، وعبر الملاحظات والتجارب التي يقوم بها الآدميون على عالم الطبيعة. وبهذا يرتكب (جون ستيوارت مل) خطأً فادحاً، إذ يقع في دور منطقي، تستحيل معه المعرفة، فالاستقراء يثبت بالعلية والاطراد، والعلية والاطراد يثبتا بالاستقراء!

الاستقراء لدى الوضعية المنطقية:

طغى حضور المناطقة الوضعيين على المشهد العام للمذهب التجريبي منذ العقود الأولى للقرن العشرين، حتى أن كثيرين يعدون (برتراند راسل) وضعياً منطقياً، بل الأكثر غرابة أن يحشر (كارل بوير) الخصم اللدود للمناطقة الوضعيين في زمرتهم! لعل انتشارهم في البلدان ونشاطهم الحثيث أفضى إلى استحواذهم على المذهب التجريبي، رغم اختلاف مجموعة كبيرة من فلاسفة المذهب التجريبي مع اتجاهات أساسية لدى الوضعية المنطقية.

أما بالنسبة إلى موضوعنا (الاستقراء) فهناك تيار واسع من الفلاسفة التجريبيين، يضم وضعيين وغير وضعيين، تبنوا جميعاً الاستقراء منهجاً للعلم، بعد أن اتفقوا على أن العلم (العلوم التجريبية) لا يصل إلى يقين، إنَّما نصيبه الاحتمال، رغم اختلافهم حول مجموعة مسائل، كتفسير الاحتمال، وتسويغ الاستقراء ومعالجة مُشكلته الكبرى. وقد أفاد هذا التيار من حساب الاحتمال كقاعدة لتحديد درجة التأييد والإثبات، التي يمنحها الاستقراء وفق تجاربه الناجحة على الظاهرة موضع الدرس.

هناك اتجاه بين الفلاسفة التجريبيين يقرّر أن الاستقرار وإن لم يفضِ إلا إلى الاحتمال فهو بحاجة إلى مبرّر عقلي، يسوّغ رفع درجة احتمال الظاهرة وفق تكرار التجارب الناجحة، ويعتقد أن الاحتمال لا يمكن تحديده وفق الاستقراء، ما لم نصادر على (مبدأ الاستقراء) كالاطراد والعلية، وهذا ما نجده عند (برتراند رسل) و (رايشنباخ) . وهناك اتجاه آخر آمن بقدرة الدليل الاستقرائي على الإفادة من حساب الاحتمالات، دون المصادرة على أي مبدأ قبلي غير تجريبي.

وهناك من ذهب في تفسير الاحتمال إلى عدِّه درجة من درجات الثقة أو الاعتقاد بصدق الظاهرة، وهناك من اعتبر هذا التفسير ذاتياً، لأن الاعتقاد والثقة حالة سيكولوجية، لا تعبر عن الواقع الموضوعي الذي يتعلّق به الاحتمال، ومن ثم عدلوا في تفسير الاحتمال إلى عدِّه نسبة وقوع الحادثة أو نسبة تكرارها. لكن الجميع ذهبوا إلى عدّ الاحتمال بدرجاته المختلفة نسبة إثبات وتأييد النظرية التي تصدقها التجارب.

والاتجاه التجريبي الحديث بزعامة الوضعية المنطقية طرح نظريةً في تفسير أساس التجربة، وفي تحديد مفهوم صدق القضايا، وهوية القضية التي تدخل في دائرة العلم. ولـ (كارل بوبر) موقف من جميع هذهِ الأفكار تميّز في بعض المواطن بالحدّة، وسنأتي على تحديد مواقف (بوبر) من جميع هذهِ القضايا، حسب مناسبات هذهِ الدراسة.

بوبر والاستقراء

بوبر فيلسوف تجريبي، لكنه لا يوافق على حجم الدور التأريخي الذي منحته الحكمة للتجربة منذ أرسطو وأفلاطون حتى يوم الناس هذا. وبالتالي فهو لا يوافق على الدور الذي منحته الحكمة للاستقراء، بوصفه دليلاً ينتقل منه الذهن إلى العام عبر الخاص، فتمنحه اليقين أو الاحتمال، سواء أكان يقيناً منطقياً مشروطاً، كما هو الحال عند أرسطو ومدرسته، أم يقيناً نفسياً واعتقاداً بحتاً، كما هو الحال عند (دافيد هيوم) ، أم يقينياً تجريبياً كما هو الحال عند (بيكون) و (مل)، أم كان احتمالاً منطقياً أو تجريبياً، كما هو الحال عند المناطقة الوضعيين.

التجارب الناجحة على أي ظاهرة تفضي إلى رفع درجة احتمال صدق هذه الظاهرة . فاذا اكتشفنا ان ارتفاع درجة الحرارة في محيط الثلوج يؤدي إلى ذوبان الثلج، فقمنا بتجربة ووجدنا صدق هذهِ العلاقة، ثم قمنا بثانية ووجدنا تحقّق هذا الارتباط، فسوف ترتفع درجة تصديقنا بالقضية (كلما ارتفعت درجة الحرارة سيذوب الثلج)، هكذا ذهب أرسطو وهكذا ذهب دافيد هيوم، وجون ستيوارت مل، وجل التجريبيين العقليين.

لكن (بوبر) لا يجد أي سند منطقي لما قاله جمع المناطقة والحكماء، الذين سبقوه والذين عاصروه. فصاحبنا يعتقد أن التجارب الناجحة والملاحظات المثبتة لأي قضية من القضايا لا تسمح منطقياً بالانتقال من التجارب الجزئية والملاحظات المحدودة إلى الحكم العام والقانون الكلي. وليس هناك قدرة لأي نظرية في الاحتمال على رفع درجة احتمال وقوع الحادثة.

بعد أن استراح (بوبر) من الحصول على يقين تجريبي مبرّر منطقياً، نعى محاولات المناطقة الوضعيين، ومن دار في فلكهم من أصحاب النزعة الاستقرائية الاحتمالية. وقد ركّز سهام نقوده أولاً على التفسير الكلاسيكي للاحتمال الذي يعد الاحتمال درجة من درجات التصديق أو الاعتقاد العقلي، إذ اعتبر هذا التفسير سقوطاً في هاوية النزعة النفسية (السايكولوجية)، منادياً بضرورة تطهير المعرفة العلمية من النزعة النفسية، وإخراجها من ذات العارف. يحدوه في ذلك إيمانه الراسخ بأن المعرفة كيان موضوعي، وقد أفضى به إصراره على واقعية المعرفة وموضوعيتها إلى اختراع عالم ثالث خارج عن ذات العارف ومغاير للعالم الخارجي، عالم تهجع فيه المعرفة والانجازات المعرفية. 

على أن (كارل بوبر) سعى حثيثاً إلى تخليص المعرفة الإنسانية من الوقوع في هاوية النزعة النفسية، أي تخليص المنطق والحكمة الفلسفية من الأحكام النفسية، غير أن بناء نظرية المنطق في رفض الاستقراء أو قبوله على أساس أن البشر يستقرؤون وأننا نشاهد بأنفسنا أن الملاحظات المتكرّرة تفضي إلى اليقين، أو إلى رفع درجة احتمال الحوادث، أو على أساس أن البشر يحكمون بدءً على أساس الفرض وتكرار التجارب لا يؤدي إلى الاحتمال أو اليقين بالظاهرة المستقرأة، بناء يقوم على أسس نفسية ولا يبرره المنطق. أي أن الانطلاق من مسلمة نفسية كالقول: (إن الناس يستقرؤون ويصلون إلى النتائج أو أن العلم يبدأ بالفرض وينتهي إلى النظرية) لا يبرر بناء منطق الاستقراء والبحث عن الأسس المنطقية للاستقراء، كما لا يؤدي إلى رفض الاستقراء، ووسمه بالخرافة واللامنطق.

ثم لو ذهبنا المذهب القائل: (إن بوبر لم ينكر الدور الاساسي الاستقرائي للملاحظات تفادياً للنزعة السايكولوجية، كما تصور (بيرنانز). بل انكرها اقراراً لحقيقة الامر التي اثبتتها البحوث السايكولوجية، من اسبقية التوقع على الملاحظة الحسية".

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
الفلاسفة التجريبيين ومشكلة الاستقراء
...