الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ... أما بَعدُ:
أيها المؤمنونَ: وآخِرُ هذِه العَشْرِ الفَاضلَةِ، هوَ أَعظمُ الأيَّامِ عِندَ اللهِ، عِيدُ الأَضحَى مِنْ أَفضَلِ أيَّامِ العَامِ، بلْ قالَ بعضُ العُلَماءِ: إنَّهُ أَفضَلُ الأيامِ على الإطلاقِ، كمَا صحَّ عنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ" (رواه الإمامُ أَحمدُ، وأبو دَاودَ، والنَّسائِيُّ، وصحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ).
والفَرَحُ فِيهِ مِنْ مَحَاسِنِ هذَا الدِّينِ وشَرَائِعِهِ؛ فعَنْ أَنسٍ -رِضيَ اللهُ عَنهُ- قالَ: قَدِمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأهلِ المَدِينةِ يَومَانِ يَلعَبُونَ فِيهمَا في الجَاهِليةِ، فقالَ: "قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ" (رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ).
ويُسَنُّ الإِمسَاكُ عَنِ الأَكلِ في عِيدِ الأَضحَى حتى يُصلِّيَ، لِيأكُلَ منْ أُضحِيَتِهِ. بخلافِ عِيدِ الفِطرِ.
ويشرعُ للمُسلمِ التَّجَمُّلُ في العيدِ بلُبسِ الحَسَنِ مِنَ الثيابِ والتطيُّبِ.
ويُستَحَبُّ لهُ الخروجُ مَاشيًا إنْ تَيسَّرَ، ويُكثِرُ مِنَ التَّكبِيرِ حتى يَحضُرَ الإمامُ، ويَرجِعُ مِنْ طَريقٍ آخَرَ. هكَذا كانَ يَفعَلُ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومِن أَعظَمِ شَعائِرِ الإِسلامِ في هذا اليومِ، أَداءُ صَلاةِ العِيدِ، وقَد صَلاَّهَا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودَاوَمَ علَى فِعلِهَا هو وأَصحَابُهُ والمسلمونَ.
وكَذا الجُلُوسُ لِسمَاعِ خُطبَةِ العِيدِ، وعَدمُ الانِشغالِ عَنها بشيءٍ كالتهنِئةِ أَو رَسائِلِ الهَاتِفِ الجَوَّالِ أَو غَيرِ ذَلكَ.
تَقبَّلَ اللهُ مِن الجَميعِ صَالحَ العَملِ وأعَانَ ويَسَّرَ الفَوزَ بهذِه الأيامِ المبَاركَةِ.
هذَا وصَلُّوا وسلِّموا -رحِمَكمُ اللهُ- على النبيِّ المصطفَى، والحبيبِ المُجتَبَى، كما أمرَكُم بذلكَ ربُّكم -جلَّ وعلا-، فقالَ تعالى قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صلَّى عليَّ صَلاةً صلَّى اللهُ عليهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهمَّ يَسِّرْ للحُجَّاجِ حَجَّهُم وأَعِنْهُمْ علَى أَداءِ مَناسِكِ حَجِّهِمْ.
اللهمَّ اجْعَلْ حَجَّهُم مَبرورًا، وسَعْيَهُم مَشكورًا، وذَنبَهُمْ مَغفورًا.
اللهمَّ إنَّا نَستودِعُكَ حُجاجَ بَيتِكَ، اللهمَّ احْفظْهُمْ بحِفظِكَ واكْلأْهُمْ برِعايَتِكَ.
اللهمَّ سَلِّمِ الحجاجَ المعتمرينَ في بَرِّكَ وجَوِّكَ وبَحرِكَ، وأَعِدْهُم لأَهلِيهِم سَالمينَ غَانمينَ بِمَنِّكَ وجُودِكَ يا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ.
اللهمَّ اجْزِ قَادةَ هذِه البلادِ خَيرَ الجَزاءِ على مَا يقدِّمونَه للإسلامِ والمسلمينَ وعلى عُمَّارِ بَيتِكَ المُقدَّسِ وعلَى كُل مَا يُبْذَلُ للحجاجِ والمعتمرينَ.
اللهم اكفناِ بِمَنِكَ وكرمك كلَّ مَن يريد سوءا لهذه البلاد، اللهم رُدَّ كيده في نحره، وافضحه للعالمين يا عظيمُ يا ذا البأس الشديد.
اللهمَّ تَقبَّل مِنَّا صَالِحَ العَملِ، واغفرْ لنا الذَّنبَ والزَّللَ، وتَوفَّنَا وأنتَ رَاضٍ عَنَّا.
وصلى اللهُ وسَلَّمَ على نَبِيِّنَا محمَّدٍ.
ملتقى الخطــــباء*