المظهر السياسي والإداري: في الحضارة العربية القديمة
بناء الدولة ونظام الحكم عند العرب القدماء حالة الجماهيرية
كانت هذه الحالة مستمرة من العهد الجاهلي إلى عهد الخلفاء الراشدين، وانتهت بإقامة بني أمية للدولة الأموية. فتحول شكل الحياة عند العرب من حالة يكون الفرد فيها سيد أمره، وكل عربي ملك نفسه (أصل العقال الذي يضعه العربي، والصفيَّة التي تضعها العربية هو التاج الذي يمثِّل ملكية الفرد لنفسه)، وحق الإجارة الذي تمتع به كل عربي، وحق حمل السلاح، ونموذج الملك الناهي الآمر فقط وليس الملك الذي يملك الأرض ومن عليها ويورث العرش لسلالته من بعده؛ كلها أشكال قضي عليها حين قامت الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية وإلى اليوم، حيث عبَّر العرب عن استهجانهم لقيام نموذج السلطة الأموية بمقولتهم: (أَجَعَلتها هِرّقْليَّة؟) لمعاوية بن أبي سفيان. وأكبر مثال على نموذج الجماهيرية والملك الآمر الناهي فقط في الإسلام هو عهد الرسول (ص) وعهد الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عليهم، فقد كان الخلفاء الراشدون لا يولون لأبنائهم، وكانوا يحكمون بالحق والعدل، ولم ينظروا لمال الدولة على أنه مالهم الشخصي ومال أسرهم، على عكس الحال عند الأمويين والعباسيين من بعدهم، حيث أصبح مفهوم الملك فيما بعد يعني أنه مالك الأرض وما عليها، ومال الدولة هو حق له، والتوريث لأبنائه حق له، وإسكات من عارضه، وشراء من يواليه حق له أيضا. منذ أن انتهت هذه الحالة الجماهيرية عند قيام الدولة الأموية، اختفت ولم ترى وظل الأمر على هذه الحال حتى قيام العقيد معمر القذافي () بإعلان نظام الجماهيرية، وسلطة الشعب. حيث سلَّم هو ورفاقه الضبَّاط السلطة للشعب عام 1977 وسط احتفال كبير. وتضمَّن نظام الجماهيرية على حسب تعبير القذافي: السلطة بيد الشعب، يمارسها عبر مؤتمرات تقام في كل المدن والمناطق، ولا يوجد منصب ملك أو رئيس في الجماهيرية، ولا حاكم ولا محكوم، ولا سلطة نيابية (أي ينوب عدد معين من المنتخبين عن الشعب في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصلحة وشؤون الدولة) بل يتحمل هذه المسؤولية كل فرد من أفراد الشعب عبر ممارسة مباشرة للسلطة. وكان العقيد معمر القذافي ذكر أنها استعادة لحالة كانت سائدة أيَّام الرسول الكريم(صلى الله علية وسلم) ومن تبعه من الخلفاء الراشدين.
أهم عناصر الحكم في الدولة:
الملك:
عرف منصب الملك منذ قيان حكومات المدن, إذ كان على رأس كل حكومة ملك يجمع في شخصه جميع السلطات, ويساعده مجلس من وجهاء المدينة, وقد عرف هذا النظام في ممالك كنعاني الساحل وقرطاجه الفينيقية, وعرف كذلك لدى مخاليف اليمن. أما في مصر فبعد قيام الدولة الموحدة ازدادت سلطات الملك الذي كان يعد إلهاً أو ابناً للإله ترفع إليه الصلوات لتحفظه وترعاه, وفي بلاد الرافدين كان الملك نائباً عن الإله الذي يختاره لتنفيذ تعاليمه على الأرض, وعندما يقوم أحد القادة بانقلاب على الملك يبرر ذلك بأن الإله قد إختاره لهذه المهمة لأن الملك السابققد خالف تعاليمه.
نظام الوراثة:
في كل الممالك العربية القديمة اعتمد على انتقال المُلك من الأب إلى الأبن. كما لم تحرم النساء من حق الإرث وقد وصل بعضهن إلى الحكم كحتشبسوت المصرية وسمورامات (سميرآميس) الآشورية وزنوبيا التدمرية, أما في اليمن, فقد إختلف نظام الوراثة بعض الشيء, إذ يمكن أن ينتقل الملك إلى أكثر الأشراف نفوذاً أو أول ولد من الأشراف يولد زمن الملك الحاكم. وكان اغتصاب السلطة بانقلاب من قبل الأقوياء ظاهرة معروفة في التاريخ قديماً وهذا ما يفسر تعدد الأسر الحاكمة في كل من مصر وبلاد الرافدين.
[عدل]الولاة وحكام الأقاليم:
اتبع في إدارة أقاليم الدولة شكل مصغر للإدارة في العاصمة. على رأس كل ولاية حاكم يساعده عدد من الموظفين والكتبة للقيام بحفظ النظام وتحقيق العدل. وحمع الأموال للدولة والرجال أثناء الحرب, والعناية بالخدمات العامة وشؤون العمران وغالباً ما يختار الملك حكام الأقاليم من العائلة المالكة أو من العناصر الجديدة الموالية له, أو من طبقة الكهان كما كانت الحال في مصر أو من الأغنياء والتجار كما في بلاد الشام واليمن أو الإدارة المركزية كما كان الأمر في محافد اليمن ,أو أن يترك للمدن تشكيل مجالس من وجهائها كما في بعض مدن جنوب بلاد الرافدين أو يفرض حكام الأقاليم العسركيون أو رجال الدين سلطتهم على أقاليمهم. كما كان يحدث في فترات الضعف في مصر وغيرها من الدول العربية القديمة واستطاع بعضهم الوصول إلى الحكم.
القادة:
كان الملك القائد الأعلى للجيش, يقوده بنفسه لقهر الأعداء هذا بالإضافة اعتماد الملك كلياً على ولي عهده ويلقب بقائد (الجند العظيم) وبقية أبنائه وأقاربه في قيادة بعض الفرق العسكرية سواء للدفاع عن الدولة أو الفتوحات, وفي أكثر الأحيان ينيب عنه أكبر موظفي البلاط كما كانت الحال في آشور (ويطلق عليه اسم التورتان) وكان يساعده قادة آخرون للمشاة والفرسان والعربات الحربية والأاسطول في الدول المطلة على البحر.
وفي مصر كان الجيش وقادته من المصريين حتى بداية الدولة الحديثة ثم كثر المرتزقة من الأجانب حتى أصبح حرس الملك ورئيسه منهم وتمكن أحدهم من استغلال مهمته والاستيلاء على السلطة وتأسيس أسرة حاكمة.
[عدل]رؤساء القبائل والمجالس الاستشارية عند البدو قبل الإسلام
[عدل]النظام القبلي وشيخ القبيلة:
كان النظام القبلي بالأصل على الاعتقاد بوجود قرابة وراثية بين أبناء القبيلة الواحدة، إذ إنهم ينحدرون من جد واحد, هذا بالنسبة إلى نظام الأبوة أما نظام الأمومة فإن جميع المنتسبين إلى أم واحدة يعدون أنفسهم قبيلة واحدة, ولا يزال مثل هذا النظام موجوداً في بعض مناطق إفريقيا وآسيا, وبينما ساد النظام الأبوي بقية أنحاء العالم, والنظام القبلي ملازم لمرحة البداوة والزراعة, بينما تضعف روابطه في المنطاق الصناعة, والقبيلة تنقسم إلى أقسام اصغر منها كالأفخاذ والأسر ويرأس القبيلة, رجل يتميز عن أبناء قبيلته ببعض الصفات كالغنى والشجاعة وكثرة الأهل والولد وعراقة الأصل ورجاحة العقل... إلخ.
إختار شيخ القبيلة ومهامه: يتم اختيار شيخ القبيلة من قبل كبار أفراد القبيلة, وذلك عن شعور هذا المنصب, فيتداعى كبار رجال القبيلة مكانة إلى الاجتماع للتشاور فيمن يخلف الرئيس الراحل, وما ان يجمع هؤلاء على شخص معين حتى يقسموا له يمين الولاء ويبايعوه, ثم يأتي الآخرون من أبناء القبيلة لتهنئته ومبايعته, ثم ينصرف الرئيس الجديد إلى ممارسة مهامه التي تتعلق بالدرجة الأولى بمصالح أفراد قبيلته والدفاع عن حقوقها.
[عدل]المجالس الاستشارية:
إن فكرة الشورى وجدت عند العرب قبل الإسلام من خلال مجالسهم هذه, ولك يكن للقابلية قانون مكتوب تسير عليه القبيلة جيلاً بعد جيل حتى أصبحت هي القانون ذاته وليست لدار الندوة في مكة قبل الإسلام إلا شكلاً من أشكال المجالس الاستشارية حيث, يلتقي كبار القوم للتداول في شؤونهم العامة, واتخاذ القرارات والحلول بشأنها. أما الإجنماع العام ويسمى بنادي القوم فقد كان يعقد دائماً في فناء الكعبة حيث يبلغ الجميع ما تم إتخاذه من قرارات في اجتماع دار الندوة (وفي بداية الدعوة الإسلامية وعندما أراد "الملأ" من قريش في دار الندوة مقاطعة بني هاشم كتيوا وثيقة حددت شكل المقاطعة ووقعوا عليها كي لا يتنصل منها أحد وأودعوها الكعبة.....
كان رئيس القبيلة يستعين بعدد من رجاله في إدارة أمور القبيلة البدوية, أما في الحواضر فإن المجالس الاستشارية كانت تقوم بدور هام إذ أنها تتألف من علية القوم يوزعون المهام فيما بينهم, مثل ما كان ممعمولا به في مكة قبل الإسلام.
[عدل]الدولة المدينة لمكة أو تنظيمات قصي بن كلاب لها
انتقلت ولاية البيت العتيق (الكعبة) إلى قصي وأولاده من بعده, عندما تزوج ابنة خليل بن حبشية سيد قبيلة خزاعة التي سكنت مكة بعد قبيلة جرهم التي تزوج منها إسماعيل بن إبراهيم.
وقد قام قصي بعدة تنظيمات في مكة بعد أن جمع قبيلته قريشاً وأسكنها منطقة الحرم, وأصبح سيدها وشريفه, وأهم هذه التنظيمات:
الحجابة: وهي سدانة الكعبة وخدمتها فلا يفتح بابها غيره
السقاية: وهي تأمين الماء المحلى للحجيج حيث إن الماء نادر في مكة.
الرفادة: أي إطعام الحجيج أيام الحج.
دار الندوة: حيث يجتمع مجلس شورى قريش.
اللواء والقيادة: وهو راية الحرب حيث تعطى إلى من تسند إليه القيادة.
كما نظم السكن في مكة فوزعها أرباعاً وأنزل كل رهط منهم في منزله, ومما ساعد على تدعيم مكانة قريش بين القبائل عقد حلق الفضول حيث تعهد فيه أشراف قريش حماية الضعيف وإنصاف المظلوم وحماية المرأة واليتيم, وهو الحلف الذي ذكره الرسول الكريم قائلاً ((حضرت حلفاً في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت إليه في الإسلام لما أحجمت)). ويعتبر العرب بدعوتهم لحلف الفضول أول من دافع عن حقوق الإنسان.