في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة
الخصائص الفنية لشعر الحماسة ( الجزء الأول والثاني )

الشعر الحماسي في القرنين الثالث و الرابع للهجرة.

كما يسعدنا متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم ان قدم لكم الكثير من الحلول والإجابات على أسالتكم التي تقدمونها على موقعنا بصيغة السؤال الصحيحة والنموذجية مثل السؤال..الخصائص الفنية لشعر الحماسة ( الجزء الأول). ونتمنا لكم التوفيق والازدهار شكراً لزيارتكم أعزائي في موقع النورس العربي

الإجابة هي

الشعر الحماسي في القرنين الثالث و الرابع للهجرة. (منقول)

الخصائص الفنية لشعر الحماسة ( الجزء الأول)

* - اتباع بناءِ القصيدة القديمة: الاستهلال الطللي في قصائد الحماسة :

نهج شعراء الحماسة نهج القدامى في استهلال القصائد ذات الطابع الحماسي بالوقوف على الأطلال والبكاء على الدمن . فهذا المتنبي يستهلُّ أولى مدائحه الحماسية في سيف الدولة استهلالا طلليا فيقول :

وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا و الدمع أشفاه ساجمه.

و افتتح أبو تمام مدحية له في أبي سعيد الثغري بالوقوف على الأطلال فقال :

حتّام دمعك مسفوح على الدِّمَنِ بانوا و شوقك لم يظعن و لم يَبِنِ.

ثمّ ذكر رحلته إلى الممدوح ، ثمّ انخرط في المدح الحماسي. و لم يتبعوا هذه السنة في افتتاح القصائد بالوقفة الطللية إلا لأنَّ مجاراة القدامى في هذه الحلبة كانت دليلا على الفحولة الشعرية .

وغالبا ما عدل الشعراء عن هذه المقدّمة التقليديّة ، فنوّعوا مقدماتهم ، فجاؤوا في مستهل قصائدهم بالحكمة كقول أبي تمام في مدح المعتصم :

السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحدّ بين الصدق و الكذب .

وقول المتنبي في مدح سيف الدولة الحمداني :

على قدر أهل العزم تأتي العزائم و تأتي على قدر الكرام المكارم

وهي حكم يستخلص الشعراء مضامينها من الحدث الذي تخلِّده قصيدة المدح الحماسي ( فتح عموريّة – تحرير قلعة الحدث من أيدي الروم.) وهذا النوع من المقدمات فيه إيحاء بأهمية الحدث الباعث على إنشاء القصيدة ؛ و هو أكثر إثارة لاهتمام المتلقي ، و لفتا لانتباهه من المقدمات التقليدية ( الطللية أو الخمرية او الغزلية) التي غالبا ما تكون مصطنعة ، مفتقرة إلى الصدق.

وقد يهجم الشاعر على الغرض بدون مقدمات كما فعل ابن هانئ في مدح المعزّ :

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحـكـم فأنـت الواحد القـهَّـار

فبدأ بتعظيم الممدوح ورفع مشيئته فوق مشيئة القدر، استعدادا للإشادة بمنجزاته العسكرية ، و أعماله البطولية ، والهزائم التي ألحقتها جيوشه بالروم و بالقرامطة في الشام. وهذا أنسب للمدح الحماسي من المقدمات القديمة.

أما المراثي الحماسية فجاءت في معظمها تقليدية البناء : تفجُّعٌ ، ثم تعظيمٌ لمصيبة فقد المرثي ، ثم تأْبِينٌ بذكر مناقبه ، ثم تصبُّرٌ و تأسٍّ . و من أحسن المراثي الحماسية الخاضعة لهذا البناء مرثية أبي تمام في خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني أحد أشهر ولاة العباسيين على أرمينية و أشجع قادتهم ؛ و مطلعها:

نَعَاءِ إِلى كلِّ حيٍّ نَعاءِ فَتى العربِ اخْتَطَّ رَبْعَ الفَناءِ.

وقد اشتملت على مقطع حماسي عدَّد فيه الشاعر مناقب المرثيِّ ، و خصاله الحربية ، و أعماله البطولية.

و أما قصائد الهجاء التي تحمل طابعا حماسيا ، فكانت في الأعمِّ الأغلب بلا مقدمات كقول أبي تمام في هجاء عيسى بن يزيد الجلودي الذي كان واليا على مصر فظلم الناس وزاد عليهم في خراجهم فحاربوه وهزموه :

قل للجُلُوديّ الـذي يدُهُ ذهـبـتْ بمالِ جُنودِه شَعْـبَا

الله أعطاك الهزيمةَ إذْ جَذبَتْكَ أساب الرَّدَى جَذْبَا

فالشاعر الذي يفيض قلبه غيظا على المهجوّ انخرط في الهجاء دون مقدمات و كأنه يصب جام غيظه و غضبه عليه.

* - السرد الملحمي في المقاطع الشعرية الحماسية :

الملحمة شعر قصصي بطولي يحتوي على أحداث خارقة و بطولات عجيبة ، و بعض المقاطع الحماسية تتوفر فيها مقومات السرد الملحمي من شخصيات ، و أطر مكانية و زمانية و أحداث و وصف . فكثير من الشعراء ، إذا ذكروا معركة ، سردوا أطوارها و فصّلوا مراحلها من الاستعداد إلى الانتصار ، و صوروا ما يأتيه الأبطال من أعمال تشبه الخوارق و أشادوا بالتضحيات في سبيل مُـثُـلٍ عُلْيَا. وهذا يسم أشعارهم بسمات ملحمية دون أن يرتَقِيَ بها إلى مستوى الملاحم كما عُرِفت في الآداب العالمية . و إليك هذا النموذج الملحمي من شعر أبي تمام في مدح الخليفة العباسي المأمون :

- الخروج للحرب في جيش عظيم لنصرة الإسلام :

لما رأيتَ الديــن يخــفــق قــلـــبه والكفر فيه تغطرس و عُــرام

أوريْــت زنــد عزائم تحت الدجى أسرجن فكرك و البلاد ظــلام

فنهضت تسحب ذيـل جيش ساقـه حسـن اليـقـيـن و قاده الإقْـدام.

مُـثْـعَـنْجِـرٌ لَجِـبٌ تـرى سُـلاَّفَـــه و لهم بمُـنخَرِقِ الفضاء زحام

- خوض معركة ضروس :

حتى نقضت الروم منك بوقْعَةٍ شـنْـعاءَ لـيْـس لِـنَـقْـضِها إِبْـرام

في مَعْرك أما الحِمَامُ فمُفْـطِــرٌ في هُـبْوتـَيْـهِ و الكـُمَـاةُ صـيــامُ

و الضربُ يُقْعِدُ قَرْمَ كلِّ كتيبةٍ شرس الضريبة و الحتوف قيام

- هزيمة العدوِّ:

لـمَّــا رأيـتَهُـمُ تُـســاقُ مـلوكُـهُــم حِـزَقًــا إلــيــك كأنَّهــم أنْــعَـامُ

جرحى إلى جرحى كأنَّ جلودهم يُـطْـلَى بِـهـا الشَّـيّاَنُ و العُلاّمُ.

- نهاية المعركة:

أكـرمْـتَ سـيـفَـك غرْبَه و ذُبـابـه عَـنْهُـم و حُقَّ لِسَيْفِكَ الإحرامُ.

فانظر كيف أسند الأفعال كلها إلى الممدوح فجعل منه بطلا ملحميا هبَّ للدفاع عن الإسلام و المسلمين و هدِّ ركن الكفر ، وأعدَّ لذلك جيشا جرَّارًا خاض به معركة حامية الوطيس ، وقتل وأسر من الأعداء خلقا كثيرا ، وانتصر عليهم انتصارا مبينا .

*- المزجُ بين الحكمة و الفنّ في صوغ المعاني الحماسية :

لقد تفنن الشعراء في التعبير عن معاني الحماسة ، فوظفوا أساليب متنوعة ، وبحثوا عن الطريف منها كالجمع بين الصياغة الحكمية و الصور الفنية الطريفة . و منه قول المتنبي في مدح سيف الدولة :

و منْ يجْعلِ الضِّرْغَامَ في الصَّيْدِ بازَهُ تَصيَّــدهُ الضرغــامُ فـي مـا تصيَّــدا.

الضرغام هو الأسد ، و الباز نوع من الصقور يصطاد به. و البيت مركب تركيبا شرطيا تلازميا باسم الشرط من الذي يفيد في هذا السياق الإطلاق و التعميم وهما أمران لا مَنْدُوحَةَ عنهما في صياغة الحكمة حتى تكون صالحة لكل زمان و مكان ، فهي من باب الحقيقة الثابتة و القاعدة المطردة . و الغرض الظاهر من إيراد هذه الحكمة هو التحذير من اتخاذ الأسد وسيلة للصيد ؛ و لكن مقام المدح يقلب التحذير تهديدا ؛ فسيف الدولة الذي يردُّ عن الخلافة العباسية هجمات الروم، قد ينقض عليها انقضاض الباز على الطريدة ، فهو محارب مغوار ، و قائد فذٌّ ، و بطل لا يقهر ، وهذا معنى من معاني المدح الحماسي تكفلت الحكمة ببيانه أحسن بيان ، وعاضدها في ذلك تصوير فني رائع مؤسس على التشبيه الضمني الذي أخرج الممدوح في صورة الأسد المفترس الذي لا يفرق بين الصياد و الطريدة .

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة

الخصائص الفنية لشعر الحماسة ( الجزء الثاني) 

 البحث عن الصور الطريفة :

الصورة الشعرية هي روح الشعر و رونقه و جماله ؛ و هي المقياس الذي تقاس به شعرية الخطاب ، و شاعرية الشاعر. لهذا أولاها جهابذة النقد عناية خاصة و اعتبروها حِلْية الشعر، لأنه بدونها كلام موزون لا ألق له و لا جمال و لا تأثير.و قد استخدمت الصورة في الأداء الفني لمعاني الحماسة للتأثير في المتلقي و تحريك فكره و وجدانه معا.

و من الصور الطريفة عند المتنبي قوله في مدح سيف الدولة بمناسبة استرجاعه قلعة الحدث من أيدي الروم :

هل الحدث الحمراء تعرف لونها و تعـلم أيّ الساقـيَـيْن الغـمائم 

سقـتها الغـمامُ الغُـرُّ قـبل نزوله ولمَّا دنا منها سقـتها الجماجم

هذه صورة لم يسبق إليها المتنبي لأنها من وحي الحدث ، و يقصد بها الشاعر تصوير قوة المعركة ، و فتك ممدوحه بالعدو ، فكنَّى عن ذلك بكثرة ما سفك من دمائهم . ثم عمد إلى إبراز هذه الكثرة فشبه الدماء السائلة من جماجمهم المُعَلَّقة على جدران القلعة بالمطر الغزير المُنْسَحِّ من الغمام ، وهذا غُلُوٌّ في الوصف ؛ ثم أوْغَلَ في المبالغة فجعل القلعة يغيب لونها الأصلي تحت غطاء الدماء . و الصورة على تعقيدها جميلة لتعدد عناصرها ( سحب/ جماجم – مطر/ دم – لون القلعة / لون الدماء...) و قوة إيحائها و سعة دلالتها .

و إليك صورة أخرى اخترعها النابغة الذبياني ثم تداولها الشعراء عبر العصور ، لكنهم طوروها و أكسبوها طرافة و ثراء دلاليا بما أضافوا إليها من المعاني . قال النابغة يصف جيش الغساسنة الخارج للغزو:

إذا ما غزوْا بالجيش حلّق فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائــب 

يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم من الضاريات بالدماء الدَّوارب 

و قال أبو تمام بعده : 

و قد ظللت عقبان أعلامه ضحى بعقبان طير في الدماء نواهل 

أقامت مع الرايـات حـتَّى كـأنَّها من الجيش إلا أنها لم تـقـاتـل 

ثم قال المتنبي بعدهما :

له عسكرا خيل و طير إذا رمى بها عسكرا لم تبق إلا جماجمه

فالصورة التي استغلها الشعراء الثلاثة مستمدة من الواقع المحسوس ( الطيور الكواسر التي تأكل جثث القتلى عقب المعركة ) و لكن كل واحد منهم أضاف إليها من خياله. فأما النابغة فجعل الطيور تغير مع الجيش ، فهو يقتل وهي تأكل ، و أما أبو تمام فجعلها جزءا من الجيش لكثرة مصاحبتها له ،و لكنها لا تقاتل معه ، و أما المتنبي فتخيلها جيشا يقاتل تحت إمرة الممدوح. فرغم أن الصورة مستهلكة من قبل الشعراء منذ العصر الجاهلي ، إلا أنها ازدادت مع الزمان قوة في التعبير عن البطش و كثرة الحروب .

*- تهويل الصور والمشاهد وتضخيمها :

قد يعبر الشاعرعن المعنى الحماسي بصورة يتخيلها أو مشهد ينقله من واقع المعارك ثم يضفي عليه من خياله و فنه ما يضخمه و يهوّله فيخرج به من حيِّز الواقع إلى عالم الخوارق . فانظر إلى تصوير أبي تمام لحريق عمّورية على يد جيش المعتصم حيث يقول :

ضوء من النار و الظلماء عاكفة --- وظلـمة من دخان في ضحى شحب 

فالشمس طالعة من ذا و قد أفلت --- والشمس واجـبة من ذا و لـم تـجـب 

ألا ترى أنه استخدم الطباق ببراعة ( طالعة / غائبة – واجبة / لم تجب – ضوء / ظلماء ...) ليهوّل مشهد الحريق فيصبح ينافس الشمس ، و يعكس فعلها في الكون ، فهي طالعة غائبةً ، و غائبة طالعةً... )ويعاضد الطباقُ الجناسَ ( ضوء/ ظلماء – شجب / تجب / واجبة ...) فيوحي ترديد الأصوات بتواشح عجيب بين الشيء و ضده كوجوب الشمس وعدمه . و كل هذا يدل على قوة الممدوح .

*- الاحتفاء بالإيقاعين الداخلي و الخارجي.

في القصائد الحماسية يلعب الإيقاع دورا أساسيا في إشاعة نغَميَّة تناسب جوِّ القصيدة الحماسي ، وتساهم في بلورة المعنى و التأثير في المتلقي . وكثيرا ما يعمل الشعراء على تلوين الإيقاع بتعديد مظاهره وتنويع عناصره ( البحر – القافية – ترديد الأصوات – الجناس - التوازي التركيبي...) .

أ- الإيقاع الخارجي:

+) البحر :

البحور الأكثر استخداما في القصائد ذات النزعة الحماسية هي البحور الطويلة ، كالطويل و المديد و الكامل و الوافر و البسيط وهي تستخدم غالبا للأغراض الرصينة ذات الموضوعات الهامة والمواقف الجادة ، كالمدح و الفخر و الرثاء ، وهي الأغراض التي تتخللها المقاطع الحماسية عادة ؛ و قلما تستعمل البحور الخفيفة مثل الرمل و الهزج و الخفيف في قصائد الحماسة. 

+) القافية :

القافية هي مجموعة من الحركات و السكنات من آخر ساكن في البيت إلى الحركة السابقة للساكن الذي قبله مثل قول المتنبي :

تظنُّ فراخ الفتخ أنك زرتها --- بأُمَّاتها و هي العِتاق الصَّلادِم(و)

فالقافية في هذا البيت هي {لادمو} ، و قد اشتملت على حرف "الدال" و فيه من صفات القوة ثلاث صفات : الجهر ، والشدة ، و القلقلة، و هي تجعل جرسه قويا يناسب ما يرمي إليه الشاعر من الإيحاء بصلابة خيول الممدوح و قوتها .

و هذا مثال آخر :

عليها غمام مكفهر صبيره --- له بارقات جمّة و رُعودُ(و)

هو بيت لابن هانئ في وصف حرّاقات المعز لدين الله الفاطمي ، و قافيته هي { عودو} تضمنت عينا و دالا ، الأول حرف حلقي مجهور ، و الثاني حرف مجهور شديد مقلقل ، وهما حرفان يجتمعان في كلمة {رعد} الموحية بقوة الانفلاق و الدويّ الذي توصف به قذائف الحراقات الرهيبة . 

ب) الإيقاع الداخلي:

+ ) ترديد الأصوات :

لتكرار الحروف في البيت أو في القصيدة صلة وثيقة بالدلالة . و يمكن أن نضرب مثلا لذلك بهذا البيت للمتنبي في وصف جيش الروم الذي هزمه سيف الدولة في موقعة الحدث :

خميس بشرق الأرض و الغرب زحفه --- و في أذن الجوزاء منه زمازم 

في هذا البيت تعلق الوصف الحماسي بزحف جيش العدوّ بعدده و عُدّتِهِ محدثا دويا شديدا يصعد إلى عنان السماء ، و أراد الشاعر بانتقاء الأصوات و ترديدها أن يملأ الأسماع بهذا الدَّوِيّ وهو ينشد القصيدة ، فكرر حرف الرّاء ثلاث مرّات ، و حرف الزّاي أربع مرات ؛ فالأول في نطقه تكرير و ارتجاج ، و الثاني فيه صفير ، وهي صفات قوة في الحروف العربية . واختار الشاعر هذين الحرفين و كرَّرَهما ليوحي للسامع أو المنشد للبيت بقوة الجيش الزاحف الذي ضجَّت بدويِّه الأرض شرقُها و غربُها و بلغت زمزمته نجوم الجوزاء.

و هذا مثال آخر : يقول أبو تمام في مدح الأفشين قائد جيش المعتصم :

و سارت به بين القنابل و القنا --- عزائم كانت كالقنا و القنابل

يرتكز جرس البيت على صوت القاف الذي تردد أربع مرات ، و حرف النون الذي تكرر ست مرات ، و حرف الباء الذي تعاود ثلاث مرات. وهي حروف مجهورة كلها ، و الباء و القاف حرفان شديدان مقلقلان. و لا ريب أن الشاعر تخير هذه الحروف ليحدث في البيت نغمة توحي بقوة عزيمة ممدوحه .

اسئلة متعلقة

...