نموذج تصحيح الفرض الأول في الفلسفة سنة 3 ثانوي شعبة آداب و فلسفة
دافع عن الأطروحة القائلة:" أن اللغة قبور المعاني"
#تصحيح فرض شعبة آداب و فلسفة# الفصل الدراسي الأول
مرحباً بكم متابعينا الأعزاء طلاب وطالبات العلم في موقعنا النورس العربي منبع المعلومات والحلول الذي يقدم لكم أفضل الأسئله بإجابتها الصحيحه من شتى المجالات التعلمية من مقرر المناهج التعليمية والثقافية ويسعدنا أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول........ نموذج تصحيح الفرض الأول في الفلسفة سنة 3 ثانوي شعبة آداب و فلسفة
الإجابة هي كالتالي
نص السؤال: دافع عن الأطروحة القائلة:" أن اللغة قبور المعاني"
طرح المشكلة:
يعتبر الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه، و هذا الاجتماع لا بد له من أداة للتواصل بين البشر و هذه الوسيلة هي ما نسميه نحن لغة، فاللغة إذن مجموعة من الرموز و الإشارات و الأصوات و الألفاظ من خلالها يصبح التواصل بين البشر ممكنا، و نظرا لما تحمله الألفاظ من معاني و أفكار فقد لفت هذا نظر الفلاسفة فدأبوا جاهدين إلى تحديد العلاقة بينهما، فكانت الفكرة الشائعة بينهم أن اللغة حاملة الفكر و ان هذا الأخير لا يمكن ان يقوم بدونها ، لكن ظهرت فكرة مناقضة لها ، و هي التي تقول أن الفكر مختلف عن اللغة و ان هذه الأخيرة تقف حاجزا امام التعبير عن افكارنا و بالتالي فلا يمكن جعلهما شيئا واحدا ، فإذا كانت هذه الأطروحة صحيحة فكيف يمكننا الدفاع عنها و بالتالي تبنيها و الأخذ بها؟
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة:
يتمحور منطق هذه الأطروحة حول الرأي القائل ان الفكر و اللغة منفصلان و ان كل منهما يختلف عن الاخر من حيث طبيعته، و أيضا تتصمن الأطروحة تلك الفكرة التي تقول ان اللغة بمكوناتها تقتل المعاني و لا يمكن لها باي حال من الأحوال ان توصل المعنى الذي نريد ايصاله للاخرين. و يمثل هذه الأطروحة انصار الاتجاه الثنائي و على رأسهم : ديكارت و برغسون ، و قد دعم هؤلاء موقفهم هذا بجملة من الحجج و البراهين نذكر منها:
لقد ديكارت الفكر واللغة من طبيعتين متناقضتين، كل منهما يشكل كيانا قائما بذاته مستقلا عن الآخر، فالفكر جوهر روحي خاصيته الوحيدة هي التفكير، بينما اللغة مظهرها مادي (الصوت، الكتابة) لذلك فهي في خدمة الفكر، وهي التي تنتجه. ولذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة انفصال واستقلال، والأسبقية هنا للفكر.
أما شوبنهاور فقد اعتبر أن الفكر منفصل تمام الانفصال عن اللغة، فالأفكار تموت لحظة تجسدها في كلمات، وهذا ما يبرر استقلالية الفكر عن اللغة.
يقول برغسون: : "ليست الموضوعات الخارجية و حدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى تفلت من لغتنا لما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل". وقال أيضا: "وحينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون، فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا؟".
فالإنسان كثيرا ما يدرك كماً زاخراً من المعاني والافكار تتزاحم في ذهنه، وفي المقابل لا يجد إلا ألفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه المعاني والافكار. كما قد يفهم أمرا من الامور ويكوّن عنه صورة واضحة بذهنه وهو لم يتكلم بعد، فإذا شرع في التعبير عما حصل في فكره من أفكار عجز عن ذلك. كما قد يحصل أن نتوقف – لحظات – أثناء الحديث أو الكتابة بحثا عن كلمات مناسبة لمعنى معين، أو نقوم بتشطيب أو تمزيق ما نكتبه ثم نعيد صياغته من جديد... وفي هذا المعنى يقول ديدرو : «إننا نملك أفكارا اكثر مما نملك اصواتا» .
وقد تؤدي الألفاظ إلى قتل المعاني وتجمد حيويتها وحركتها، بينما المعاني مبسوطة ممتدة وغير نهائية بل تتطور أسرع من الألفاظ، فالفكرة أغنى من اللفظ إذ يمكن التعبير عنها بألفاظ مختلفة، بينما الألفاظ معدودة ومحدودة، بل قيمتها لا تكون إلا من خلال ما تنطوي عليه من معان ومفاهيم وتصورات.
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية:
ما قدمه انصار الاطروحة من حجج دفعني للبحث عن حجج أخرى لتبرير العلاقة الانفصالية بين الفكر و اللغة، فالمتصوفة دوما ما يشتكون عجز اللغة عن التعبير عما يعيشونه من حقائق، فيبدو لنا ما يقولونه مجرد شطحات تعارض النصوص الشرعية. فهذا الحلاج كان يقول: "ليس في الجبة إلاّ الله". وهذا البسطامي يقول: "سبحاني ما أعظم شأني" وربما هذا ما قصده فاليري في قوله :"إن أجمــــل اشعاري هي تلك التي لم اكتبها"
أيضا نجد الفيلسوف اليوناني " افلاطون " يؤكد هو الاخر على الاختلاف بين الفكر و اللغة، حيث نجد انه يميز بين عالمين موجودين هما: عالم المثل وهو العالم الحقيقي، عالم الفكر والمعقولات والحقائق المطلقة الكاملة، وبين عالم المحسوسات وهو عالم يأتي في المرتبة السفلى، لأنه عالم أشباه الحقائق والظلال (المحسوسات والعالم المادي). أما اللغة فهي معبرة عن عالم الأشياء المحسوسة، وهكذا يعطي أفلاطون الأسبقية للفكر على اللغة، فللفكر أسبقية أنطولوجية (وجودية) على اللغة أي أنه سابق في الوجود عليها، فمستودع الأفكار عند افلاطون هو عالم المثل، فالأفكار المطلقة توجد في هذا العالم بدون كلمات لأن اللغة تنتمي إلى عالم المحسوسات، وبالتالي فاللغة ليست سوى أداة للتعبير عن فكر سابق عليها
عرض منطق الخصوم ونقدهم:
عرض منطقهم: لكن هذا الطرح لم يلق ترحيبا من طرف فلاسفة آخرين الذين يرون ان علاقة اللغة بالفكر هي علاقة تكاملية حيث أنه لا يمكن أن يوجد أحدهم بغياب الأخر، و قد دافع عن هذا الرأي نخبة من الفلاسفة و علماء اللغة من بينهم زكي نجيب محمود، و ميرلوبونتي، و هيجل، و غيرهم كثير.
و يستأنس هذا الموقف على مجموعة من الحجج الدامغة التي أقرها كل من العلم و الواقع و من بينها : أنه لا توجد كلمات من دون معان، فكل كلمة أو لفظة إلا و يقابلها في الذهن معنى محدد، ضف إلى ذلك أنه بواسطة الكلمات تتمايز الأشياء و المعاني في الذهن بعضها عن بعض، فنستطيع أن نفرق بينهما و نخرجها من الغموض و عندئذ يصبح المعنى محصنا حتى لا يأخذ شكل معنى آخر و قد قيل في هذا الصدد:" إن الألفاظ حصون المعاني". كذلك نلاحظ بأن اللغة تثري الفكر فبقدر ما نملك من أفكار بقدر ما نملك من ألفاظ قال هيجل:" نحن نفكر داخل الكلمات" و قال غوسدروف :" إن التفكير ضاج بالكلمات". ومن الأدلة التي يقدمها العلم فقد أثبت علم نفس الطفل أن الأطفال يتعلمون التفكير في الوقت الذي يتعلمون فيه اللغة. فالطفل عند حداثة ولادته يرى العالم كله، و لكنه لا يرى شيء و عند اكتسابه للكلمات يبدأ هذا العالم في التمايز و أخذ معناه. و حتى في التفكير الصامت عندما ينطوي المرء على نفسه متأملا إياها فإنه يتكلم، غير أن هذا الكلام هو كلام هادئ عبارة عن حوار داخلي " فنحن عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت و عندما نتحدث فإننا نفكر بصوت عال "
لكن ورغم ذلك، فإنه لا وجود لتطابق مطلق بين اللغة والفكر، بدليل ان القدرة على الفهم تتفاوت مع القدرة على التبليغ، من ذلك مثلا أنه اذا خاطبنا شخص بلغة لا نتقنها فإننا نفهم الكثير مما يقول، لكننا نعجز عن مخاطبته بالمقدار الذي فهمناه، كما أن الادباء - مثلا - رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ
حل المشكلة :
يتبين إذن مما سبق ذكره أن العلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة انفصال ، و ان عالم الفكر مختلف عن عالم الكلمات، كما اتضح لنا من خلال حجج غير قابلة للدحض ان اللغة تقف عاجزة عن التعبير عما يراودنا من أفكار و ما يختلجنا من مشاعر، و عليه نقول بكل ثقة ان الاطروحة القائلة << اللغة قبور المعاني >> هي أطروحة صحيحة و يمكن تبنيها و الأخذ بها.